الدكروري يكتب..المؤمنون إذا اؤتمنوا لم يخونوا

بقلم / محمـــد الدكـــروري

الحمد لله الغفور الودود الكريم المقصود الملك المعبود قديم الوجود، المتعالي عن الأمثال والأشكال والجهات والحدود، لا يخفى عليه دبيب النملة السوداء في الليالي السود، ويسمع حس الدود في خلال العود، وتردد الأنفاس في الهبوط والصعود، القادر فما سواه فهو بقدرته الوجود، وبمشيئته تصاريف الأقدار، وأشهد إن لا اله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو علي كل شيء قدير شهادة أدخرها عنده ليوم اللقاء، يا من يرى ما في الفؤاد ويسمع أنت الرقيب لكل لما يتوقع، سبحانك اللهم أنت الواحد كل الوجود على وجودك شاهد، يا حي يا قيوم أنت المرتجى والي علاك علا الجبين الساجد، وأشهد أن سيدنا وحبيبنا وشفيعنا محمد عبد الله ورسوله وصفيه من خلقه وحبيبه، خاتم الرسل والأنبياء، وسيد النجباء والأولياء والأصفياء.

المتصف بالصدق والوفاء، يا سيدي يا رسول الله أرسلت داعية إلي الرحمن ودعوت فإهتز لك الثقلان، أخرجت قومك من ضلالات الهوى وهديتنا للواحد الديان، وعلي اله وأصحابه ومن سار على نهجه وتمسك بسنته وإقتدى بهديه وإتبعهم بإحسان إلي يوم الدين ونحن معهم يا أرحم الراحمين ثم أما بعد إن الأمانة سبب لحفظ الأهل والمال، كما قال الخضر لنبي الله موسى عليه السلام مبينا سبب بنائه للجدار، بأن الجدار كان لغلامين يتيمين في المدينة وكان أبوهما صالحا، وكان سعيد بن جبير يقول في قوله تعالى ” وكان أبوهما صالحا” أي كان يؤدي الأمانات والودائع إلى أهلها، فحفظ الله تعالى له كنزه، حتى أدرك ولداه، فاستخرجا كنزهما” وقد سأل بعض خلفاء بني العباس بعض العلماء أن يحدثه عمن أدرك فقال.

“أدركت عمر بن عبد العزيز، قيل له يا أمير المؤمنين، أقفرت أفواه بنيك من هذا المال، وتركتهم فقراء لا شيء لهم، وكان في مرض موته فقال أدخلوهم عليّ، فأدخلوهم، وهم بضعة عشر ذكرا، ليس فيهم بالغ، فلما رآهم ذرفت عيناه، ثم قال يا بني، والله ما منعتكم حقا هو لكم، ولم أكن بالذي آخذ أموال الناس فأدفعها إليكم، وإنما أنتم أحد رجلين إما صالح فالله يتولى الصالحين، وإما غير صالح فلا أخلف له ما يستعين به على معصية الله تعالى، قوموا عني، قال فلقد رأيت بعض بنيه حمل على مائة فرس في سبيل الله يعني أعطاها لمن يغزو، والأمانة دليل على إيمان العبد، فقد أثنى الله عز وجل في أكثر من آية على رعاية المؤمنين للأمانة، وفي هذا إعلاء لشأنها، من هذا الثناء قوله تعالى ” والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون ”

فجعلها صفة بارزة للمؤمنين، وقال ابن كثير رحمه الله في تفسيره لهذه الآية “إن المؤمنين إذا اؤتمنوا لم يخونوا، بل يؤدونها إلى أهلها، وإذا عاهدوا أو عاقدوا أوفوا بذلك” وجمع الله الأمانات باعتبار تعدد أنواعها وتعدد القائمين بحفظها وذلك تنصيص على العموم، والحكمة في جمع الله تعالى الأمانة دون العهد والله أعلم أن الأمانة أعم من العهد ولذا فكل عهد أمانة” والأمانة متلازمة مع الإيمان فإذا فقد أحدهما فقد الآخر ولذلك ربط النبي عليه الصلاة والسلام الأمانة بالإيمان كما جاء في الحديث الصحيح فقد أخرج الإمام أحمد وابن حبان عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال ” ما خطبنا نبي الله صلي الله عليه وسلم إلا قال “لا إيمان لمن لا أمانة له ولا دين لمن لا عهد له ” و لفظ لا، كما تعلمون نافية للجنس، أي تنفي جنس الإيمان عن الذي لا أمانة له، تنفي عنه أصل الإيمان، خرج من الإيمان كله.