إن بعدكم قوما يخونون ولا يؤتمنون
بقلم محمـــد الدكـــروري
الحمد لله الذي تقدس في أزليته وأبديته عن النظير والشبيه، وتنزه في جماله وجلاله عن مقالات أهل التمويه، الغنى عن خلقه، فلا أمد يحصره، ولا أحد ينصره ولا ضياء يظهره ولا حجاب يخفيه فهو الواحد الأحد القدوس الصمد الذي لا شك فيه، وأشهد إن لا اله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد وهو علي كل شيء قدير، وأشهد أن سيدنا وحبيبنا وشفيعنا محمد عبد الله ورسوله وصفيه من خلقه وحبيبه، صلي الله عليه وعلي اله وأصحابه ومن سار على نهجه وتمسك بسنته وإقتدى بهديه واتبعهم بإحسان إلي يوم الدين ونحن معهم يا أرحم الراحمين ثم أما بعد لقد أخبر النبي المصطفي صلى الله عليه وسلم عن أناس يأتون بعد القرون الفاضلة تقلّ فيهم الأمانة وتظهر فيهم الخيانة فقال صلى الله عليه وسلم.
” إن بعدكم قوما يخونون ولا يؤتمنون، ويشهدون ولا يستشهدون، وينذرون ولا يفون، ويظهر فيهم السمن ” رواه البخاري، وقال النووي رحمه الله أي ” يخونون خيانة ظاهرة بحيث لا يبقى معها أمانة ” وقال الإمام السعدي رحمه الله في قوله تعالي ” ولا تكن للخائنين خصيما ” أي لا تخاصم عمن عرفت خيانته، من مدّع ما ليس له، أو منكر حقا عليه، سواء علم ذلك أو ظنه، ففي هذا دليل على تحريم الخصومة في باطل، والنيابة عن المبطل في الخصومات الدينية والحقوق الدنيوية ” وقال ابن كثير في قوله تعالي ” ضرب الله مثلا للذين كفروا ” أي في مخالطتهم المسلمين ومعاشرتهم لهم، أن ذلك لا يجدي عنهم شيئا ولا ينفعهم عند الله، إن لم يكن الإيمان حاصلا في قلوبهم، ومن المعلوم أن كل خائن، لا بد أن تعود خيانته ومكره على نفسه، ولا بد أن يتبين أمره.
كما ورد في القرآن على لسان امرأة العزيز ” وأن الله لا يهدي كيد الخائنين ” وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال “إذا كانت في البيت خيانة ذهبت منه البركة” وكما قال الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه ” أدي الأمانة والخيانة فاجتنب، واعدل ولا تظلم يطيب المكسب، وعن مجاهد، قال “المكر والخديعة والخيانة في النار، وليس من أخلاق المؤمن المكر ولا الخيانة” وعن خالد الربعي قال كان يقال “إن من أجدر الأعمال ألا تؤخر عقوبته، الأمانة تخان، والرحم تقطع، والإحسان يُكفر” وعن ميمون بن مهران قال “ثلاثة المسلم والكافر فيهن سواء من عاهدته وفي بعهده مسلما كان أو كافرا، فإنما العهد لله عز وجل ومن كانت بينك وبينه رحم فصلها، مسلما كان أو كافرا ومن ائتمنك على أمانة فأدها إليه مسلما كان أو كافرا” وقال الفضيل بن عياض.
“أصل الإيمان عندنا وفرعه وداخله وخارجه بعد الشهادة بالتوحيد، وبعد الشهادة للنبي صلى الله عليه وسلم بالبلاغ، وبعد أداء الفرائض صدق الحديث وحفظ الأمانة وترك الخيانة ووفاء بالعهد، وصلة الرحم، والنصيحة لجميع المسلمين” وقال الإمام الماوردي ” وأما الإستسرار بالخيانة فضعة لأنه بذل الخيانة مهين، ولقلة الثقة به مستكين، وقد قيل في منثور الحكم من يخن يهن، وقال خالد الربعي قرأت في بعض الكتب السالفة أن مما تعجل عقوبته ولا تؤخر الأمانة تخان، والإحسان يكفر، والرحم تقطع، والبغي على الناس، ولو لم يكن من ذم الخيانة إلا ما يجده الخائن في نفسه من المذلة، لكفاه زاجرا، ولو تصور عقبى أمانته وجدوى ثقته، لعلم أن ذلك من أربح بضائع جاهه، وأقوى شفعاء تقدمه مع ما يجده في نفسه من العز، ويقابل عليه من الإعظام
Share this content:


