وما كان الله ليضيع إيمانكم

بقلم محمـــد الدكـــروري
الحمد لله حمدا كثيرا كما أمر، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إرغاما لمن جحد وكفر، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله، سيد الخلائق والبشر، الشفيع المشفع في المحشر، صلى الله عليه وعلى أصحابه ما اتصلت عين بنظر، وسمعت أذن بخبر أما بعد ذكرت كتب السيرة النبوية الشريفة الكثير عن حادثة تحويل القبلة من إتجاه بيت المقدس إلي إتجاه بيت الله الحرام، وروي عن ابن عمر رضي الله عنه قال ” بينما الناس يصلون الصبح في مسجد قباء إذ جاء رجل فقال قد أنزل على النبي صلى الله عليه وسلم قرآن، وقد أُمر أن يستقبل الكعبة فاستقبلوها، فتوجهوا إلى الكعبة” رواه الترمذي، وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال “لما وجه النبي صلى الله عليه وسلم إلى الكعبة، قالوا يا رسول الله، كيف بإخواننا الذين ماتوا وهم يصلون إلى بيت المقدس؟
فأنزل الله تعالى ” وما كان الله ليضيع إيمانكم ” يعني صلاتكم” ولقد قلق هؤلاء من مصير من مات من المسلمين قبل تحويل القبلة، هل تقبل صلاتهم أو لا؟ كما تساءلوا عن جزاء صلاتهم السابقة نحو بيت المقدس، وكأنهم ظنوا أن الصلاة إلى القبلة السابقة كانت إجتهادا من رسول الله صلى الله عليه وسلم بغير وحي من الله لذا لن يثابوا عليه بل قد يعاقبون، وهذه الفئة تظهر دائما في المجتمع المسلم وقت المحن، إذ تزيغ الأبصار، وتبلغ القلوب الحناجر فيبدأ هؤلاء في التشكك والظن في الثوابت، وقال اليهود ما لمحمد يعيب ديننا ويتبع قبلتنا؟ ثم قالوا انتظروا قليلا، فكما اتبع قبلتنا سيتبع ديننا، وقال المشركون ما لمحمد يزعم أنه على ملة إبراهيم ثم يترك قبلته؟ فلما تحوّلت القبلة، قالوا لو كانت الأولى صحيحة، فلماذا تحوّل عنها؟ وإن كانت باطلة، فلماذا صلى على الباطل وترك الحق؟
وما مصير من صلى إلى القبلة الأولى ومات؟ وقال الله تعالى كما جاء في سورة النساء ” ألم تري إلي الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك ” والله سبحانه وتعالي يعلم ما هو كائن وما سيكون، وما لم يكن لو كان كيف كان يكون، ولتمام علمه اقتضت حكمته ألا يحاسب الخلق على مقتضى علمه فيهم، ولكن ليحاسبهم على ما يصدر منهم من أقوال وأفعال، ثم ليظهر الصادقين من الكاذبين، ولقد حكم الله تعالي عليهم بالسفه، فقال تعالى ” سيقول السفهاء ” والسّفيه هو ناقص العقل والعلم، أو من لا عقل له أصلا، ولقد كرر الله تعالي الأمر بالتوجه للقبلة ثلاث مرات، فقال تعالى” قد نرى تقلب وجهك فى السماء فلنولينك قبلة ترضاها فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره ” وأمر الله عز وجل المسلمين.
كذلك بالتوجه إلى المسجد الحرام، مع أنه كان يمكن أن يكتفي بأمره للنبي صلي الله عليه وسلم فقط، فهو أمر له وللمسلمين، ولكن أمر معه المسلمين للتأكيد، ولأن ذلك أول نسخ في القرآن، وأن المشرق والمغرب هو ملك لله تعالي، ومن حق المالك أن يتصرف في ملكه كيف شاء، وأن الناس لا يملكون نفعا ولا ضرّا، وليس بيدهم شيء، ومن الدروس المستفادة من حادثة تحويل القبلة هو الطاعة الدائمة للمؤمنين، والتكذيب الدائم من المشركين والمنافقين واليهود وغيرهم، وأيضا دلالة على نبوّة النبي المصطفي صلى الله عليه وسلم، وقد أخبر الله تعالى بما سيقوله اليهود عند تحويل القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة من إثارة الشكوك والتساؤلات قبل وقوع الأمر، ولهذا دلالته فهو يدل على نبوة محمد صلى الله عليه وسلم إذ هو أمر غيبي، فأخبر به قبل وقوعه، ثم وقع،
فدل ذلك على أن محمدا صلى الله عليه وسلم رسول يخبره الوحي بما سبق، وهو يدل أيضا على علاج المشكلات قبل وقوعها حتى يستعد المسلمون ويهيئوا أنفسهم لهذه المشاكل للتغلب عليها والرد عليها ودفعها فإن مفاجأة المكروه على النفس أشق وأشد، والجواب العتيد لشغب الخصم الألد.