جمال الكلمة وصفاء النظرة
بقلم محمد الدكروري
إن الحمد لله نحمده ونستعينه و نستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهدي الله فهو المهتدي، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله وصفيه و خليله وخيرته من خلقه، أدى الأمانة و بلغ الرسالة ونصح الأمة، ومحا الظلمة وتركنا على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك صلى الله عليه
وعلى آله وصحبه ومن دعا بدعوته وإقتدى بسنته إلى يوم الدين أما بعد يا أيها المؤمنون،
إن القلوب أوعية فإذا إمتلأت جمالا وسلاما أشرقت الحياة من حولها، وإن امتلأت غلظة وقسوة أظلمت الدنيا ولو كثرت النعم فيها، وإن من أعظم ما يورث السكينة في البيوت والمجتمعات هو جمال الكلمة وصفاء النظرة ورحابة الصدر، فإن الجمال الذي يريده الله لعباده ليس جمالا تدركه العيون، ولا بهرجا يغطي السطح.
وإنما هو نور يسكن القلب، فينعكس على الكلمات، ويظهر في المواقف، ويترجمه السلوك دون أن يتكلفه صاحبه، فكم من وجه جميل لا يحمل روحا جميلة، وكم من هيئة حسنة تخفي صدرا مليئا بالقسوة والجفاء، وكم من إنسان بسيط المظهر لكنه يحمل قلبا يساوي الدنيا وما فيها،
وإن القلب هو أصل الجمال، فإذا صلح صلحت النظرة وتهذبت الكلمة، وتحسنت الأخلاق،
وأصبح الإنسان مصدر رحمة لمن حوله وإذا فسد القلب فسد كل شيء، ولو تجمّل الظاهر بما شاء من الأصباغ والألوان، وإن أول مظاهر الجمال في الإنسان الكلمة الطيبة، فهي شجرة مباركة إذا إستقرت في القلب أثمرت رفقا، وأظلت من حولها بظلال من الرحمة، فكم من كلمة جبرت خاطرا منكسرا، ورفعت روحا ساقطة، وأطفأت نار شجار كادت أن تشتعل، وأول طريق الجمال كذلك نظرة رحيمة لا تفتش في العيوب.
ولا تسقط الناس بظنون، ولا تحكم عليهم بظاهر، فالنظرة الجميلة وطّنها النبي صلي الله عليه وسلم قبل أن تخرج، ونقاها القرآن قبل أن تبصر، فإن من الجمال بل من أعظم الجمال هو العفو عن الزلات والتماس الأعذار وغضّ الطرف عن الهفوات فالقلوب الضعيفة تفتش عن الخطأ،
أما القلوب الجميلة فتبحث عن العذر، ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم الأسوة الحسنة في جمال الخلق قبل جمال الخلقة، فهذا الأعرابي الذي بال في المسجد في موقف يثور له الغيور لم يقابله النبي صلى الله عليه وسلم بغلظة،
بل قال دعوه ثم قال له إن هذه المساجد لا يصلح فيها شيء من هذا، فما كان من ذلك الرجل إلا أن قال اللهم ارحمني ومحمدا ولا ترحم معنا أحدا، لقد دخل جاهلا وخرج محبا وهذا هو الجمال الذي يصنعه الرفق حين يسكن القلوب، وانظروا إلى جمال الصحابي الجليل أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه.
يوم حادثة الإفك إذ قالت له زوجته أما تسمع ما يقول الناس في عائشة؟ فقال لها أكنتي فاعلة ذلك؟ قالت لا والله، قال فعائشة والله خير منك وأطيب، فبكلمة واحدة أغلق باب الشيطان، وردّ الفتنة، وعلّم الأمة أن حسن الظن جمال لا يقل شأنا عن صيام أو صلاة، فاعلموا أن الجمال الذي يريده الله لكم هو أن تزرعوا الرفق في قلوبكم، والعفو في صدوركم، والبسمة على وجوهكم، والنقاء في نياتكم، وأن تكونوا مصدر أمان في بيوتكم وأعمالكم ومساجدكم، واعلموا أن إهتمام الإسلام بالجمال البشري لا يقل عن إهتمامه بجمال الأرض والسماء والكون والبحر والطير،
فقد أفاض القرآن الكريم فى وصف الحور العين وصفا جماليا فى قوله تعالى ” وحور عين كأمثال اللؤلؤ المكنون ” ومن ألوان الجمال ومما يستحسن في المرأة، ما جاء من قول الحسن البصرى طول أربعة.
وهي أطرافها وقامتها وشعرها وعنقها وقصر أربعة هي يدها ورجلها ولسانها وعينها، وبياض أربعة، لونها، وثغرها، وفرقها وكعبها، وسواد أربعة أهدابها، وحاجبها وعينها، وشعرها، وحمرة أربعة خدها، وشفتها، ولسانها، وظفرها، ودقة أربعة أنفها، وبنانها، وخصرها، وذقنها، وسعة أربعة، جبينها، وعينها، وصدرها ووجهها، وهذه هي بعض صور الجمال في الإسلام، وقد جمعها رسولنا صلى الله عليه وسلم في كلمات مهذبة جميلة، وفي عبارات رقيقة ودقيقة وذلك حين قال صلى الله عليه وسلم ” إن الله جميل يحب الجمال “
Share this content:

