بقلم محمـــد الدكـــروري
الحمد لله على نعمة الإسلام وكفي بها نعمة وأحمد الله واشكره، فإليه المرجع وإليه المآب، واشهد أن لا إله إلا هو، ولقد جعل الله النهار والليل آية لأولي الألباب، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، أما بعد اتقوا الله ربكم حق تقاته، واشكروه على ما أنعم عليكم من النعم، واعبدوا واحمدوا الله، واعرفوا قدر النعم التي أنعمها الله عليكم، واحمده على منه عليكم بمواسم الخيرات والتي تتكرر كل عام، وتوبوا لله توبة نصوحا، ولا تموتن إلا وأنتم مؤمنون ثم أما بعد إن العمل الصادق هو العمل الذي لا ريبة فيه لأنه وليد اليقين، ولا هوى معه لأنه قرين الإخلاص، ولا عوج عليه لأنه نبع من الحق، فالصادق لا تراه إلا في فرض يؤديه، أو فضل يعمل فيه، فعليكم بالصدق فالزموه وكونوا مع أهله، ففيه النجاة، وفيه الفرج، وقيل أنه تحرك الشاب الذي يبلغ عمره ثماني عشرة سنة تقريبا بسيارته.
منفردا من مدينتة متجها إلى مدينة أخري وقد كان مصابا بالربو المزمن وما إن وصل إلى أقربائه هناك إلا أحس بحشرجة في صدره هي علامات يعرفها المصابون بالربو على أنها بداية لأزمة خطيرة تحتاج إلى تصرف سريع وحكيم والتفاف حول المصاب ومراعاة دقيقة لصحته، ولأن هذا الشاب يدرك أنه قد يصاب بالإغماء أو السقوط لفترة ما خشي على نفسه من أن يقع أمام من ذهب لزيارتهم، فيصاب بالقلق أو الإحراج النفسي فعزم على العودة إلى مدينتة فور وصوله وأحس من حوله بضيق في صدره وضعف في تنفسه فعزموا عليه ألا يعود في مثل هذه الحال وأصروا عليه بوجوه مختلفة فأبى ذلك كله، فركب سيارته عائدا إلى بلده وتمر الدقائق عليه ثقيلة وئيدة كل دقيقة منها تحبس جزءا من نفسه يتلفت حوله فلا يرى أبا حانيا يشفق عليه بنجدة ولا أما تظلله برحمة.
ولا أخا يسنده بإسعاف ويحدق أمامه فلا يبصر إلا إمتداد الطريق الذي لم تعد قواه قادرة على إنهائه، فلما إنتصف الطريق، إشتد به الكرب وفقد توازنه وزاغت عيناه وأحس بقرب أجله وشعر بأن كل شيء إنتهى، أوقف سيارته تحت جسر قريب، ولم يكن يملك قوة تعينه على طلب النجدة من المارين على هذا الطريق فقد الأمل في كل شيء فتوجه إلى الله تعالى يسلم إليه أمانة الروح، فريدا وحيدا على سفر، لم يحسن أن يفعل شيئا سوى أنه خرج من سيارته بلا شعور، فتمدد على مقدمتها لعل الله تعالى أن يرحم ضعفه، وينظر إلى غربته بعين الرأفة وهنا وفي هذه اللحظة غاب عن حاله وغدا كمغمى عليه لا يدري ماذا يجري له كل الذي يعلمه أنه أوشك على مفارقة الحياة وتوديع زينتها، غير أن رحمة الله كانت تترقبه، كيف وهو الرحيم الغفور، الودود الحليم سبحانه.
ويمر أحد المسافرين، ليرى ذلك الشاب الغض ممددا على سيارته، غائبا عن شعوره لا يرى فيه أثرا لحادث أو سببا مباشرا لهذه الحال لم يتح لنفسه كثيرا من التساؤلات بل قطعها بإغاثة هذا المسكين، فما أن أمسكه بيده حتى أحس بحركة بطيئة في يدي هذا الشاب، يشير بيديه إلى أنفه وفمه مبينا له بذلك أنه لم يعد له نفس يعيش به، فرح صانع المعروف بحياته وأحس بأن الله تعالي أرسله إليه لينقذه على يده تحرك بسرعة لأخذه إلى طبيب حاذق في شأن أمراض الصدر بمدينة قريبة فما إن وصل إلى هناك قام الطبيب بالأمانة الملقاة على عاتقه خير قيام وصانع المعروف واقف على رأسه يرقب ذلك النفس المتقطع والصدر المتحشرج نسي سفره الذي خرج من أجله وترك الدنيا من ورائه وأقبل على إنقاذ روح كادت أن تفارق صاحبها ليعيدها بأمر الله تعالي إليه.
لا لمعرفة سابقة ولا لمصلحة دنيوية لاحقة إنما حب صنيع المعروف الذي أكرمه الله عز وجل به، وما زال كذلك يرقب الشاب بعينيه ويحيطه برعايته ويلهج لسانه بالدعاء له أن يمن الله عز وجل عليه بالشفاء ويعيده إلى الحياة وشيئا فشيئا حتى سمع الأنفاس تتراجع والأزمة تخف والأطراف تتحرك وبدأ نور العينين يخفق ببصيص من الحياة وصانع المعروف يحدق في وجه الطبيب يبحث عن الأمل في وجهه يتلمس إبتسامة النجاة على ثغره، لحظات ولحظات ورحمة ربك قريب من المحسنين بدأت الحياة تدب في أوصال ذلك الشاب وبدأت أسارير وجه الطبيب تتهلل بشرا، وتبشر بالحياة من جديد حينها تعرّف صانع المعروف على هاتف منزل أهل المصاب من المصاب نفسه وإختفى من المستشفى حتى لا يتعرف عليه أحد وذهب ليتم معروفه بنجاح وحكمة ليتصل على أهل المصاب فأخبرهم خبر ابنهم ومكانه.
وبفاعل خير كلمتان أجاب بهما صانع المعروف محتسبا أجره على الله الرحمن الرحيم ألا بوركت يا صاحب الخير وكفاك وسددت خطاك، وحفظك الله من كل سوء ورعاك وبارك الله لك في صحتك وحياتك وذريتك وجعل الجنة مأوانا ومأواك، ولا زالت الأكف الضارعة ترفع إلى الله تعالى بالدعاء لصانع المعروف هذا كلما سنحت فرصة لتذكر معروفه حاجة قضاها لأخيه وأي حاجة، إنه نفسه التي بين جوانحه فأي سعادة غامرة سيسعد بها هذا الشهم بعد إنقاذه لأخيه، وأي فلاح سلك طريقه بإسعافه، إنه الفلاح الذي قال الله فيه ” واعبدوا ربكم وافعلوا الخير لعلكم تفلحون” فيا أخي الموفق لا تتردد أن تقضي حاجة لأخيك ولو على حساب وقتك أو جهدك.
وثق في خالقك بأنه سيكون في حاجتك يخفف عنك همك ويرفع عنك غمك، ويبارك لك في رزقك فإن النبي المصطفي صلى الله عليه وسلم قال ” من كان في حاجه أخية كان الله في حاجته” رواه البخاري، ويقول صلى الله عليه وسلم كذلك ” صنائع المعروف تقي مصارع السوء” رواه الطبراني