بقلم محمـــد الدكـــروري
الحمد لله برحمته اهتدى المُهتدون، وبعدله وحكمته ضلّ الضالون، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له لا يُسأل عما يفعل وهم يُسألون، وأشهد أن محمدا عبد الله ورسوله، تركنا على محجّة بيضاء لا يزيغ عنها إلا أهل الأهواء والظنون، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسان إلى يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم ثم أما بعد، لقد وصاناها الله عز وجل بتأدية الأمانة وأما رفعها وزوالها من القلوب فبسبب ما يرد عليها من أدواء الشهوات والشبهات، وفي هذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” ينام الرجل النومة فتقبض الأمانة من قلبه فيظل أثرها مثل أثر الوكت، أي مثل أثر لذعة النار على الجلد، ثم ينام النومة فتقبض فيبقى أثرها مثل المجل كجمر دحرجته على رجلك فنفط فتراه منتبرا وليس فيه شيء”
أي مثل فقاعة الماء التي تكون على الجلد بعد لذعة النار والمعنى إن الأمانة تقبض من قوم ثم من غيرهم، شيئا بعد شيء، في وقت بعد وقت على قدر فساد الدين واضمحلاله من الناس، فيكون زوال الأمانة من قلوبهم بقدر تخليهم عن دينهم، فإذا زال أول جزء من الأمانة زال نورها وخلفته ظلمة كالوكت، فإذا زال شيء آخر منها صار كالمجل وهو أثر محكم لا يكاد يزول إلا بعد مدة، وهذه الظلمة فوق التي قبلها، والأمانة ترفع من القلوب عقوبة لأصحابها على ما إجترحوا من الذنوب، حتى إذا إستيقظوا من منامهم وجدوا تغيرا في قلوبهم، والرجل إذا أضاع أمانة دينه فتساهل بالواجبات الشرعية وأَلف الخيانة في حقوق العباد عوقب بقبض الأمانة من قلبه، والله تعالى منزه أن يقبض الأمانة من قلب أحد دون سبب، فسبحانه القائل ” فلما أزاغ أزاغ الله قلوبهم “
فتضييعهم لبعض أمانات الشريعة، وتماديهم في ذلك أدى إلى رفع الأمانة من قلوبهم، وإمتلائها بالخيانة، وإذا عم تضييع الأمانة في المجتمعات بنشر المعاصي فيها، وفتح أبواب المنكرات على مصارعها، واستهان الناس بحرمات الله تعالى فانتهكوها، زال عنهم الأمن بزوال الأمانة، وحل الخوف بإنتشار الخيانة، فلا يثق بعضهم ببعض، ولا يأمن بعضهم بعضا، فيكون حالهم على الوصف الذي جاء في الحديث “فيصبح الناس يتبايعون فلا يكاد أحدهم يؤدي الأمانة فيقال إن في بني فلان رجلا أمينا” فعوقبوا على معاصيهم برفع الأمانة من قلوبهم حتى يكون الأمين غريبا فيهم، فيذكر الجمع من الناس قبيلة كانت أم عشيرة أم فصيلا من الناس، فيقال إنه لا يزال فيهم أمين وذلك لندرة الأمناء وضعف الأمانة وكثرة الخونة وسيادة الخيانة.
وينتج عن هذه الحال الرديئة إنقلاب المفاهيم، وإنتكاس الموازين، وذم ما يمدح، ومدح ما يذم فيتمدح الناس بالأخلاق المرذولة، ويثنون على أصحابها، وينتقدون الأخلاق المحمودة، ويذمون أصحابها ويقال للرجل ما أعقله وما أظرفه، وما أجلده وما في قلبه مثقال حبة خردل من إيمان، فاللهم أصلح أبناءنا وبناتنا، اللهم اكتب لهم النجاح والرفعة في الدنيا والآخرة، اللهم وفقهم لكل خير تحبه وترضاه، اللهم واجعلهم قرّة أعين لوالديهم يا ذا الجلال والإكرام، اللهم إنا نسألك أن تفرّج همّ المهمومين من المسلمين، اللهم فرّج همّ المهمومين من المسلمين ونفّس كرب المكروبين واقض الدّين عن المدينين واشفي مرضانا ومرضى المسلمين، اللهم ارحم موتانا وموتى المسلمين يا ذا الجلال والإكرام، ربنا إنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين.