بقلم محمـــد الدكـــروري
الحمد لله رب العالمين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان وسلم تسليما كثيرا أما بعد إن من فوائد الأخلاق للفرد والمجتمع هو نشر الأمن والأمان بين الأفراد والمجتمع، ووجود الألفة والمحبة بين الناس، وسيادة التعاون والتكافل الإجتماعي بين المجتمع، فالمسلمون أمة واحده، يعطف غنيهم على فقيرهم، وكذلك نبذ الفرقة والخلاف وما يمزق المجتمع، والإلتزام بالقيم والمبادئ، والمساهمة في خدمة المجتمع، ورفع معاناته، وتقديم ما يفيد للأمة والبشرية، فالمؤمن مثل الغيث أينما حلّ نفع، وكما أن من فوائد الأخلاق للفرد والمجتمع هو الإيجابية في المجتمع، وتفعيل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، مشتملا على أسسه وقواعده دون تنفير للناس، أو تغييب للشريعة وتعاليمها.
وكذلك بذل الخير للناس بحب وسعادة غامرة، وتفعيل الإنتاج، وثقافة البذل والعطاء بين المجتمع، وبث روح التسامح ونشرها بين الناس، تحت شعار ” والعافين عن الناس ” ونحو مجتمع راقي تسوده الألفة والمحبة، جعل الله سبحانه وتعالى عباده المؤمنين بكل منزلة خيرا منه، فهم دائما في نعمة من ربهم، أصابهم ما يحبون، أو ما يكرهون، وجعل أقضيته وأقداره التي يقضيها لهم ويقدرها عليهم متاجر يربحون بها عليه، وطرقا يصلون منها إليه، كما ثبت في الصحيح عن إمامهم ومتبوعهم الذين إذا دعى يوم القيامة كل أناس بإمامهم دعوا به صلوات الله وسلامه عليه أنه قال ” عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله خير وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن إن أصابته سراء شكر، فكان خيرا له وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له” رواه مسلم.
فهذا الحديث يعم جميع أقضيته لعبده المؤمن وأنها خير له إذا صبر على مكروهها وشكر لمحبوبها، بل هذا داخل في مسمى الإيمان كما قال بعض السلف ” الإيمان نصفان نصف صبر ونصف شكر” لقوله تعالى “إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور” وإذا إعتبر العبد الدين كله رآه يرجع بجملته إلى الصبر والشكر، وذلك لأن الصبر ثلاثة أقسام وهم صبر على الطاعة حتى يفعلها، فإن العبد لايكاد يفعل المأمور به إلا بعد صبر ومصابرة ومجاهدة لعدوه الباطن والظاهر فبحسب هذا الصبر يكون أداؤه للمأمورات و فعله للمستحبات، وصبر عن المنهي عنه حتى لا يفعله، فإن النفس ودواعيها وتزيين الشيطان، وقرناء السوء تأمره بالمعصية وتجرؤه عليها، فبحسب قوة صبره يكون تركه لها قال بعض السلف ” أعمال البر يفعلها البر والفاجر ولا يقدر على ترك المعاصي إلا صديق”
وهذا يقوى ويضعف بحسب قوة محبة العبد لله وضعفها، بل هذا يجده أحدنا في الشاهد كما قال الشاعر يخاطب محبوبا له ناله ببعض ما يكره لإن سائني أن نلتني بمساءة، لقد سرني أني خطرت ببالك، والصبر على ما يصيبه بغير إختياره من المصائب وهي نوعان، فالنوع الأول أنه لا إختيار للخلق فيه، كالأمراض وغيرها من المصائب السماوية، فهذه يسهل الصبر فيها، لأن العبد يشهد فيها قضاء الله وقدره، وإنه لا مدخل للناس فيها، فيصبر إما اضطرارا، وإما إختيارا، فإن فتح الله تعالي على قلبه باب الفكرة في فوائدها وما في حشوها من النعم والألطاف إنتقل من الصبر عليها إلى الشكر لها والرضا بها، فانقلبت حينئذ في حقه نعمة فلا يزال هجيري قلبه ولسانه “رب أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك