كتبت علياء الهواري
في العقود الأخيرة، شهدت المنطقة العربية تحولات عميقة على الصعيدين السياسي والعسكري، ولعبت إسرائيل دورًا محوريًا في كثير من هذه التحولات، وخاصة فيما يتعلق بالشأن السوري. تحركات إسرائيل في سوريا تتسم بالتعقيد والتداخل بين الأبعاد العسكرية والسياسية، وهي نابعة من استراتيجيتها الكبرى التي تسعى إلى الحفاظ على أمنها القومي وتوسيع نطاق نفوذها في المنطقة.
منذ بداية الأزمة السورية في 2011، كانت إسرائيل تراقب عن كثب التطورات في سوريا، خاصةً في ظل تغيرات السلطة، وانتشار جماعات مسلحة مختلفة على طول حدودها الشمالية. ففي حين أن هدف إسرائيل الأسمى كان الحفاظ على حدودها الآمنة، فإنها كانت حريصة على عدم السماح بأي وجود عسكري معادٍ على مقربة من حدودها.
أدى انخراط إيران وحزب الله في الحرب السورية إلى دفع إسرائيل إلى تعزيز تحركاتها العسكرية في سوريا. فقد لاحظت إسرائيل أن النفوذ الإيراني في سوريا كان يشكل تهديدًا مباشرًا لها، خصوصًا مع محاولات إيران لتوسيع تواجدها العسكري وإنشاء قواعد لصواريخ بعيدة المدى في الأراضي السورية، مما دفعها إلى شن سلسلة من الغارات الجوية على مواقع يُعتقد أن فيها تجهيزات أو تمركزات إيرانية.
تبنت إسرائيل منذ فترة طويلة سياسة “التحييد المسبق” أو “الضربات الوقائية” لمنع أي تهديد قد يصل إلى أراضيها. وهذا يشمل العمليات العسكرية الجوية التي استهدفت البنية التحتية العسكرية الإيرانية وحزب الله في سوريا. تتنوع أهداف هذه الضربات بين مواقع للجيش السوري، ومخازن للأسلحة المتطورة، ومستودعات للصواريخ، وقواعد تدريب لجماعات مسلحة. ومن أبرز العمليات التي نفذتها إسرائيل كانت ضد شحنات الأسلحة المتجهة إلى حزب الله أو محاولات إقامة قواعد إيرانية قرب الجولان.
إيران تمثل أحد أكبر التهديدات الاستراتيجية لإسرائيل في المنطقة، ويُعتبر تواجدها في سوريا تهديدًا مباشرًا من عدة جوانب. فإيران تسعى، من خلال حلفائها في سوريا (مثل حزب الله والفصائل العراقية والشيعية)، إلى خلق جبهة ضد إسرائيل من خلال نشر الأسلحة المتطورة وإقامة شبكات عسكرية في المناطق التي تقترب من الحدود الإسرائيلية. وهذا يفسر التوتر المتزايد بين إسرائيل وإيران في سوريا.
إسرائيل لا تقتصر على الهجوم العسكري فقط لمواجهة هذا التحدي، بل تسعى أيضًا إلى استخدام دبلوماسية سرية مع بعض القوى الكبرى، مثل روسيا والولايات المتحدة، لإقناعهم بأن الوجود الإيراني في سوريا يشكل تهديدًا ليس فقط لإسرائيل، بل لاستقرار المنطقة بشكل عام.
منذ بداية الأزمة السورية، كان لإسرائيل دور في مراقبة تغييرات القوة داخل سوريا. إسرائيل تتعامل مع بقاء نظام بشار الأسد في السلطة بشكل استراتيجي، حيث ترى أنه بالنسبة لها أفضل من سقوط النظام لصالح فصائل إسلامية متطرفة قد تكون أكثر تهديدًا. لكن مع ذلك، تراقب عن كثب تأثيرات النفوذ الإيراني في الحكومة السورية، وتحاول إسرائيل التأثير في هذا المجال قدر الإمكان.
تتسم السياسة الإسرائيلية في سوريا بالمزج بين الانخراط غير المباشر في دعم بعض الأطراف المعادية للأسد (مثل المعارضة المعتدلة) وبين البحث عن تحجيم النفوذ الإيراني وحزب الله في هذا البلد. لذا، رغم أن إسرائيل ليس لديها مصلحة مباشرة في تغيير النظام السوري، إلا أنها تعمل على الحفاظ على توازن قوي في المنطقة بحيث تظل في وضع آمن ومسيطر.
منطقة الجولان السورية المحتلة تعد واحدة من أهم مناطق الضغط العسكري الإسرائيلية على سوريا. فإسرائيل تواصل تعزيز وجودها العسكري في هذه المنطقة الإستراتيجية، التي تتمتع بأهمية كبيرة على صعيد الأمن القومي الإسرائيلي. ومن خلال هذه القوات، تواصل إسرائيل رصد أي تحركات عسكرية داخل سوريا قد تشكل تهديدًا، وفي الوقت نفسه تستخدم هذه المنطقة كأداة للردع ضد أي محاولة لفتح جبهة مع إسرائيل.
منذ تدخل روسيا العسكري في سوريا عام 2015، أصبحت روسيا أحد اللاعبين الرئيسيين في الصراع السوري. ورغم أن روسيا تتعاون مع إسرائيل في بعض المجالات، مثل التنسيق بشأن الضربات الجوية في سوريا، إلا أن العلاقات بين الطرفين تتسم بالتعقيد. فالوجود العسكري الروسي في سوريا يضع إسرائيل أمام تحدٍ كبير، حيث إنها تدرك أن روسيا قد تكون أكثر مرونة في التعامل مع النفوذ الإيراني في المنطقة، وهو ما يعزز من تعقيد الحسابات الإسرائيلية.
إسرائيل تحاول الموازنة بين علاقتها مع روسيا من جهة، وسعيها للحفاظ على وجودها الأمني في المنطقة من جهة أخرى. لذلك، تشارك إسرائيل في بعض الأحيان في التفاوض خلف الأبواب المغلقة مع موسكو لضمان عدم حدوث تصادمات مباشرة بين قواتها والقوات الروسية.
تحركات إسرائيل في الشأن السوري ستكون دائمًا محكومة بحسابات الأمن القومي في المقام الأول. في ظل وجود إيران وحزب الله، لا يبدو أن إسرائيل ستتراجع عن سياستها العسكرية في سوريا، خصوصًا إذا استمرت طهران في تعزيز وجودها العسكري هناك. وفي الوقت نفسه، تواصل إسرائيل محاولاتها للضغط على القوى الكبرى للتأثير على مستقبل سوريا بما يتماشى مع مصالحها الأمنية.
من الواضح أن إسرائيل تسعى إلى الحفاظ على حالة من التفوق العسكري والأمني في المنطقة، مما يضمن لها قدرة الردع ومنع أي تهديدات محتملة.