الإستعداد بطريقته الخاصة

قصة قصيرة
بقلم الدكتور ناصر الجندي

كان الجميع في مدرسة “النهضة الثانوية” يشعرون بالحيوية عندما أعلن مدير المدرسة عن اجتماع طارئ للاستعداد لامتحانات نصف العام. جلس المعلمون في قاعة الاجتماعات، وعلى رأسهم وكيل المدرسة، منصور، الذي بدا منشغلًا وهو يقلب أوراقه دون أن ينتبه للحديث في البداية.
قال المدير بصوته الحازم: “نحن أمام مسؤولية كبيرة. الامتحانات على الأبواب، ويجب أن نكون على أتم الاستعداد. أريد تعاون الجميع؛ من تجهيز لجان الامتحانات إلى طباعة الأوراق.”
بدأ الجميع يتوزعون الأدوار، كل معلم يعرف مكانه وواجباته. أبدى الجميع استعدادهم بروح الفريق، إلا منصور الذي كان له رأي آخر.

فور انتهاء الاجتماع، أخذ منصور يتحرك بطريقته الخاصة. توجه إلى مكتبه وجلس يفكر في شيء مختلف. “سأكون أنا الأكثر اجتهادًا… والأذكى!” همس لنفسه. لكنه لم يكن يُعد شيئًا يتعلق بالامتحانات، بل بدأ بتدوين قائمة طويلة بمستلزمات مثل أقلام التصحيح، وأوراق الامتحانات، ودفاتر الكنترول، وراح يبحث عن من يشتريها. وفي كل مرة يواجه معضلة صغيرة، كان ينظر إلى سقف مكتبه ويقول: “هذه مسؤولية كبيرة… سأضحي بمالي الخاص!”
بدأ منصور يتحدث بصوت مسموع في أروقة المدرسة: “لم يشترِ أحد أي شيء… عليّ شراء هذه المستلزمات بنفسي، لكنني سأكتب شكوى بهذا التصرف. من غير المعقول أن أتحمل كل شيء وحدي!”

وعلى الرغم من أن الاجتماع كان واضحًا، وأن الخطة كانت جاهزة وتوزيع المهام قد تم، لم يتوقف منصور عن البحث عن التفاصيل الصغيرة عند كل معلم.
فإذا دخل معمل العلوم وجد فيه زجاجة فارغة، قال: “هذا معمل غير مجهز! أين الأدوات؟ كيف سيتم الامتحان؟”
وإذا مر على قاعة الحاسب الآلي، صاح: “هل هذا جهاز يصلح للعمل؟ كارثة!”
ثم توجه إلى قاعة الرياضيات ليشتكي من غياب أحد الأقلام.
لم يترك تفصيلة إلا وحولها إلى عيب كبير في حق زملائه، وفي كل مرة يرفع ورقة للمدير يشتكي فيها. بينما كان المعلمون يتعاونون ويستعدون بهدوء، كان منصور يظن أن كل تلك التفاصيل ستجعله يبدو الأكثر حرصًا ومسؤولية.
لكن ما لم يحسبه منصور هو أن الوقت كان يمر، وأن الجميع قد انتهى من استعداداته في هدوء، بينما هو لا يزال يتحدث عن شراء المستلزمات ويكتب الشكاوى.
وفي صباح يوم الامتحان، كانت اللجان جاهزة، والأسئلة مطبوعة، والطلاب على مقاعدهم، أما منصور فكان يحمل ورقة شكوى جديدة وهو يقول للمدير: “سيدي المدير، لم أجد الوقت لأشتري شيئًا. كل شيء كنت سأفعله توقف بسبب زملائي!”

ابتسم المدير بهدوء وقال: “لا داعي لكل هذا يا منصور. الفريق يعمل بنجاح، والامتحانات جاهزة. ربما لو كنت انتظرت قليلًا وثقت بزملائك، لرأيت أن الأمور تسير أفضل مما تظن.”
أدرك منصور متأخرًا أن الإفراط في الشكوى والانشغال بالتفاصيل الصغيرة قد أبعده عن دوره الحقيقي. خرج من المكتب بخطوات بطيئة، وهو يفكر في درس لم يتوقعه: “التعاون والانتظار جزء من النجاح، لا أحد ينجح وحده.”