معرفة حدود الذكاء الاصطناعى التوليدى

متابعة أيمن بحر

منذ لحظة ظهوره للعلن للمرة الأولى فى نهاية عام 2022 برز الذكاء الاصطناعى التوليدى كقوة تقنية أثارت الدهشة على نطاق واسع فى العالم لترسخ هذه التكنولوجيا مكانتها كأداة مبتكرة فى عالم الأعمال خلال 2023 و2024.

ومع حلول عام 2025 كان من المتوقع أن يقتصر دور هذه التكنولوجيا على تعزيز كفاءة المؤسسات والشركات لكن المفاجأة كانت فى أن الذكاء الاصطناعى التوليدى تجاوز حدود العمل ليصبح جزءاً لا يتجزأ من حياة الناس خاصة مع تسلله إلى تفاصيل حياتهم اليومية.وبحسب تقرير نشره موقع آكسيوس فإنه مع دخول ثورة الذكاء الاصطناعى التوليدى عامها الثالث أصبحت هذه التكنولوجيا تتجاوز دورها كأداة للعمل لتتحول إلى شريك يومى لها رأى فى مختلف جوانب الحياة الشخصية حيث تساعد الأفراد على تحليل أنظمتهم الغذائية وتشخيص الأمراض وتقديم النصائح الشخصية.وترجمة المحادثات العائلية وحتى كتابة عهود الزواج واختيار الملابس المناسبة والمساعدة فى التعامل مع مشاعر الحزن على فقدان الأحباب وتنظيم إجراءات التعازى.

وكشف التقرير أن الأبحاث الحديثة أظهرت أن الاستخدامات الأكثر شيوعاً لبرنامج الدردشة بالذكاء الاصطناعى (Claude) تركز على ثلاثة مجالات رئيسية هى تطوير تطبيقات الهواتف المحمولة إنشاء المحتوى والتواصل والبحث الأكاديمي والكتاب.وتشكل هذه المجالات مجتمعة حوالي 26.8 بالمئة فقط من إجمالي استخدامات البرنامج، في حين أن الجزء الأكبر من استخدامات (Claude) والتى تصل نسبتها إلى 73 بالمئة ترتبط وبطرق لا حصر لها، بالعديد من الأمور التي لها علاقة بحياة الناس.ووسط التوجه المتزايد على استخدام الذكاء الاصطناعى التوليدى فى الحياة الشخصية تبرز الخصوصية كأحد أكبر التحديات والمخاطر فى هذا المجال فبحسب تقرير نشرته شبكة (CNBC) يحذر الخبراء من خطورة تجاهل الأفراد للتحذيرات التى تدعوهم إلى عدم مشاركة معلوماتهم الخاصة مع أدوات الذكاء الاصطناعى مما يشكل علامة حمراء تنذر بمخاطر كبرى محتملة.فالأفراد باتوا يثقون كثيراً بتزويد نماذج مثل ChatGPT وGemini وCopilot وApple Intelligence وغيرها ببياناتهم الحساسة رغم أن هذه النماذج لديها سياسات خصوصية مختلفة تشمل إمكانية استخدام بيانات المستخدم والاحتفاظ بها.وفى الكثير من الحالات لا يدرك المستخدم هذا الأمر، ليتبين له لاحقاً أن خوارزميات الذكاء الاصطناعى كانت تتدرب على بياناته التى تم استخراجها دون نيل الموافقة الصريحة منه مما قد يؤدى إلى مجموعة متنوعة من التأثيرات السلبية عليه.

وتقول مستشارة الذكاء الاصطناعى المعتمدة من أكسفورد هيلدا معلوف فى حديث إنه فى عالم يتسارع فيه إيقاع الحياة بشكل غير مسبوق بات الذكاء الاصطناعى التوليدى أشبه بـالصديق الرقمى المثالى الذى يلجأ إليه الناس لمساعدتهم فى اتخاذ قراراتهم اليومية ليتبين أن هذه التكنولوجيا لا تكتفي فقط بتقديم حلول فعّالة فى أماكن العمل بل تتجاوز ذلك لتصبح مستشاراً شخصياً يفهم احتياجات المستخدمين ويواكب تفضيلاتهم فى الحياة العادية

بحسب معلوف فإن السؤال الذى يبرز فى هذا المجال هو ما الذى يجعل الناس يضعون ثقتهم فى هذه الأدوات الذكية إلى حدّ الاعتماد عليها فى أكثر جوانب حياتهم خصوصية مثل تقديم النصائح الشخصية واختيار الملابس وحتى تحليل الأنظمة الغذائية مشيرة إلى أن هذه الظاهرة المتزايدة تعزى إلى عدة أسباب رئيسية هى:

أولاً السهولة والبساطة التى تقدمها هذه الأدوات ما يجعلها خياراً مفضلاً للعديد من الأفراد.ثانيًا السرعة التى يتم بها تحليل البيانات واتخاذ القرارات تجعل الذكاء الاصطناعى شريكاً مثالياً فى عالم يسير بوتيرة متسارعة حيث يمكن لهذه الأدوات معالجة كم هائل من المعلومات المعقدة فى سرعة البرق مما يوفر وقتاً وجهداً كبيرين للمستخدم.ثالثاً دقة الذكاء الاصطناعي فى التوصيات تمنح المستخدمين شعوراً بالثقة، فمثلاً تحليل الأنظمة الغذائية عبر الاعتماد على قواعد بيانات ضخمة ومحدثة يجعل النتائج أكثر موثوقية من القرارات المستندة إلى الحدس الشخصى.رابعاً التخصيص الشخصى فأدوات الذكاء الاصطناعى التوليدى تعتمد على خوارزميات قادرة على التعلم من سلوكيات المستخدمين وتفضيلاتهم مما يمكنها من تقديم توصيات مصممة خصيصاً لتلبية احتياجاتهم فسواء كان الأمر متعلقاً باختيار الملابس أو تنظيم الروتين اليومى يشعر الناس بأن هذه الأدوات تفهمهم بشكل أعمق من أى إنسان.وتوضح معلوف أن كل هذه العوامل مجتمعة جعلت الذكاء الاصطناعى يتحول من مجرد تقنية للمساعدة فى إتمام الأعمال إلى رفيق يومى يؤخذ برأيه لافتة إلى أن الاعتماد المفرط على الذكاء الاصطناعى التوليدى فى مجريات الأحداث اليومية بدأ يثير قلقاً متزايداً بشأن الخصوصية.وأوضحت أن المخاطر تمتد للتأثير على مهارات اتخاذ القرار البشري، وهذا ما يدفع الخبراء لتحذير البشر من تسليم خيوط حياتهم اليومية للأدوات الذكية، حيث يبقى الحلّ الأفضل فى هذا السياق بخلق توازن حكيم يحافظ على استقلالية الإنسان فى اتخاذ القرارات.وأكدت معلوف أن الحكمة تكمن فى معرفة حدود الذكاء الاصطناعى التوليدى فهو أداة قوية ولكنه ليس معصوماً من الخطأ، ولذلك من الأفضل استخدامه كأداة داعمة لنا دون التضحية بسيادتنا على قراراتنا أو خصوصيتنا.وقالت: ينبغى الانتباه جيداً إلى المعلومات التى نشاركها معه، حيث من الأفضل عدم تزويد برامج الذكاء الاصطناعي بمعلومات مرتبطة بالتفاصيل المالية مثل أرقام الحسابات البنكية أو البطاقات الائتمانية وكلمات المرور ومعلومات سرية عن الوظيفة وتفاصيل الإقامة والبيانات الشخصية الأخرى فقد تؤدى مشاركة هذه المعلومات الحساسة إلى ظهورها على خوادم عامة.وفقاً لما كشفته معلوف فى حديث فإن العديد من شركات الذكاء الاصطناعى تتبع نهجاً غامضاً عندما يتعلق الأمر بالبيانات التى تقوم بجمعها.

فالشركات تستخدم البيانات التى يدخلها المستخدمون الى برامج الذكاء الاصطناعى لتدريب البرامج نفسها ومساعدتها على إنتاج محتوى جديد مؤكدة أن بعض الشركات لا تخفي هذا الأمر بل تعترف به.فى حين أن العديد من المستخدمين لا يدركون أن الأذونات التي وافقوا عليها ضمن فقرة شروط الاستخدام تمنح الشركات شرعية استخدام معلوماتهم بشكل موسع إلا أن هذا التوجه يضع عبئاً كبيراً على شركات التكنولوجيا التي قد تتعرض لاحقاً للملاحقة بسبب ما تفعله، ولذلك يجب عليها إتخاذ إجراءات قوية تضمن حماية بيانات العملاء وخصوصيتهم بشكل آمن ومسؤول

وتؤكد مستشارة الذكاء الاصطناعى المعتمدة من أكسفورد هيلدا معلوف فى حديث أن عام 2025 سيكون عام الإبداع التكنولوجى بامتياز.فبحسب قولها ستصبح التطبيقات التوليدية مثل تلك التي تنتج النصوص أو الصور أكثر ذكاءً وابتكاراً فى حين أن مجال الرعاية الصحية قد يشهد فى 2025 نقطة تحول كبيرة فى الطب حيث سيصبح الذكاء الاصطناعى الأداة الرئيسية فى التشخيص والعلاج من خلال تحليل البيانات والصور الطبية بسرعة ودقة تفوق قدرات الإنسان

وأشارت إلى أن الذكاء الاصطناعى سيحدث ثورة فى مجال الأمن السيبرانى أيضا حيث ستتمكن أنظمة الأمان من توقع التهديدات الجديدة ومعالجتها فى ثوان مما يوفر حماية فعالة لمليارات البيانات الحساسة من التسرب وهذا التطور سيمتد أيضاً إلى الأجهزة المنزلية الذكية والمساعدات الشخصية التى ستصبح أكثر قدرة على فهم احتياجاتنا وتلبية متطلباتنا بطرق مبتكرة لم نرها من قبل.

وترى معلوف أن التحدي الأكبر سيكون فى كيفية إدارتنا لهذه التكنولوجيا بشكل مسؤول بحيث نستفيد من مزاياها دون أن نخسر التوازن الإنسانى فى التعامل معها