بقلم : عمرو الريدي – المحامي
في عالمنا المعاصر، لا تزال القضايا الاجتماعية المعقدة تشكل تحديات كبيرة للمجتمعات القانونية، وقد أثار أحد هذه القضايا جدلاً واسعًا في الآونة الأخيرة. يتعلق الأمر بالإجهاض الناتج عن الاغتصاب، موضوع شائك تناولته العديد من الأعمال الدرامية العربية، من أبرزها مسلسل “جميلة” الذي عرض في رمضان 2023. طرح المسلسل قضية الإجهاض بسبب تلقيح صناعي غير شرعي، مما أثار تساؤلات حول مشروعية هذا الفعل وحماية حقوق المرأة في حالات مماثلة.
الدراما وتأثيرها في تسليط الضوء على قضايا حساسة
يُعد مسلسل “جميلة” تجسيدًا لواحدة من القضايا القانونية المعقدة. في المسلسل، تتعرض الشخصية الرئيسية لعملية تلقيح صناعي خاطئة، مما يعرضها لمعاناة شديدة ويدفعها للمطالبة بتشريع يحمي حقوق المرأة في مثل هذه الحالات. هذا التناول يعيد إلى الأذهان المسلسل السابق “قضية رأي عام” (2007) الذي تناول موضوع الاغتصاب بشكل صريح، وطرح أسئلة هامة حول حقوق الضحية ونظرة المجتمع لها.
تلعب الدراما دورًا حيويًا في تسليط الضوء على القضايا القانونية المعقدة وتأثيرها المباشر على الأفراد، خصوصًا النساء في حالات فاجعة مثل الاغتصاب. وبالرغم من الجدل الذي أثارته هذه الأعمال، إلا أنها ساهمت في زيادة الوعي المجتمعي بضرورة إعادة النظر في التشريعات القانونية الخاصة بحقوق المرأة.
القانون الجنائي والإجهاض لأسباب أخلاقية
من الناحية القانونية، لا تزال القوانين الجنائية في بعض الدول العربية متباينة في تعاملها مع حالات الإجهاض الناتج عن الاغتصاب. في السودان، مثلًا، يُسمح بالإجهاض إذا كان الحمل ناتجًا عن اغتصاب، بشرط أن يتم خلال 90 يومًا من الحمل. هذا يعكس موقفًا قانونيًا يسمح بالاستثناء في حالات معينة، ويشدد على ضرورة موافقة المرأة على الإجهاض.
أما في البحرين، يسمح القانون بالإجهاض إذا كان الحمل نتيجة اغتصاب أو إذا كان في مصلحة صحة المرأة، ولكن يُشترط أن يكون بناءً على مشورة طبية. يُعاقب القانون على الإجهاض غير المصرح به أو الذي يتم بدون موافقة طبية واضحة.
اتجاهات التشريعات العربية حول الإجهاض
تُظهر بعض التشريعات العربية مرونة أكبر في التعامل مع الإجهاض لأسباب أخلاقية. في الأردن، يُسمح بالإجهاض في حالة الحفاظ على “شرف” المرأة، وهو عذر قانوني يخفف من العقوبة. وفي العراق، يُسمح بتخفيف العقوبة في حال كان الإجهاض قد تم لتجنب العار الناتج عن الحمل غير الشرعي.
اتجاه الترخيص في الإجهاض خلال الأشهر الثلاثة الأولى من الحمل
يُعدّ موضوع الإجهاض من القضايا القانونية الحساسة التي تثير الكثير من النقاشات. في تونس، على سبيل المثال، اختار المشرع أن يسمح بالإجهاض خلال الأشهر الثلاثة الأولى من الحمل، بغض النظر عن دوافعه. وفقًا للمجلة الجزائية التونسية، يتم الترخيص بالإجهاض خلال هذه الفترة إذا تم تحت إشراف طبيب مؤهل وفي مؤسسة صحية مرخصة.
التشريعات الخالية من حكم خاص بالإجهاض لأسباب أخلاقية
على الرغم من أن بعض الدول العربية تسمح بالإجهاض في حالات معينة، فإن الكثير من التشريعات، بما في ذلك في مصر والسعودية والكويت، تفتقر إلى نصوص قانونية تُبيح الإجهاض لأسباب أخلاقية مثل الاغتصاب. في مصر، على سبيل المثال، لا يوجد نص يسمح بالإجهاض بسبب الاغتصاب، بل تُعامل القوانين الإجهاض بشكل عام.
خاتمة
تُظهر القوانين العربية تباينًا ملحوظًا في التعامل مع قضية الإجهاض لأسباب أخلاقية، حيث تتيح بعض الدول الاستثناءات، بينما تتجاهل أخرى هذه القضية بشكل كامل. ومع تأثير الدراما في فتح النقاش حول هذه القضايا، يبقى السؤال الأهم: هل ستواكب التشريعات القانونية في العالم العربي هذه النقاشات المجتمعية؟ الإجابة تتطلب تطويرًا قانونيًا يأخذ في اعتباره حقوق الإنسان بشكل شامل، وتقديم حلول عادلة ومناسبة للمرأة في حالات معقدة كالاغتصاب والإجهاض.