بقلم محمـــد الدكـــروري
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا، أما بعد لقد كان رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم متواضعا، فكان صلى الله عليه وسلم عجيبا في ذلك، فتواضعه تواضع من عرف ربه مهابة، وإستحيا منه وعظمه وقدره حق قدره، وتطامن له وعرف حقارة الجاه والمال والمنصب، فسافرت روحه الى الله وهاجرت نفسه الى الدار الآخرة، فما عاد يعجبه شيء مما يعجب أهل الدنيا، فصار عبدا لربه بحق يتواضع للمؤمنين، يقف مع العجوز ويزور المريض ويعطف على المسكين، ويصل البائس ويواسي المستضعفين.
ويداعب الأطفال ويمازح الأهل ويكلم الأمة، ويواكل الناس ويجلس على التراب وينام على الثرى، ويفترش الرمل ويتوسد الحصير، قد رضي عن ربّه، فما طمع في شهرة أو منزلة أو مطلب أرضي أو مقصد دنيوي، يكلم النساء بلطف، ويخاطب الغريب بودّ، ويتألف الناس ويتبسّم في وجوه أصحابه يقول صلى الله عليه وسلم ” إنما أنا عبد آكل كما يأكل العبد واجلس كما يجلس العبد” ولما رآه رجل ارتجف من هيبته قال صلى الله عليه وسلم “هوّن عليك، فإني ابن امرأة كانت تاكل القديد بمكة” رواه ابن ماجه، والحاكم، وكان يكره المدح وينهى عن إطرائه ويقول صلى الله عليه وسلم ” لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى بن مريم، فإنما أنا عبدالله ورسوله، فقولوا عبدالله ورسوله” رواه البخاري.
وكان ينهى أن يقام له، وأن يوقف على رأسه، وكان يجلس حيثما إنتهى به المجلس وكان يختلط بالناس كأنه أحدهم ويجيب الدعوة ويقول صلى الله عليه وسلم ” لو دعيت الى كراع لأجبت، ولو أهدي إليّ ذراع لقبلت” رواه البخاري، وكان يحب المساكين، ويروى عنه قوله صلى الله عليه وسلم ” اللهم أحيني مسكينا وأمتني مسكينا، واحشرني في زمرة المساكين” رواه الترمذي، وكان صلى الله عليه وسلم يحرّم الكبر وينهى عنه، ويبغض أهله ويقول ” يحشر المتكبرون يوم القيامة في صورة الذر، يغشاهم الذل من كل مكان” رواه أحمد والترمذي، ويروي صلى الله عليه وسلم عن ربه أنه قال “الكبرياء ردائي والعظمة إزاري، فمن نازعني واحدا منها قذفته في النار” رواه مسلم.
فكان صلى الله عليه وسلم محببا الى القلوب تأخذه الجارية بيده فيذهب معها، ويزور أم أيمن وهي مولاة، ولما مدحه وفد عامر بن صعصعة وقالوا أنت خيرنا وأفضلنا وسيدنا وابن سيدنا قال لهم ” يا أيها الناس قولوا بقولكم أو ببعض قولكم، لا يستجريّنكم الشيطان” رواه أحمد وأبو داود، وغضب لما قال له رجل ما شاء الله وشئت، وقال صلى الله عليه وسلم ” ويحك أجعلتني والله عدلا؟ بل ما شاء الله وحده” رواه أحمد، وكان يحمل حاجة أهله ويخصف نعله ويرقع ثوبه ويكنس بيته ويحلب شاته ويقطع اللحم مع أهله، ويقرّب الطعام لضيفه، ويباسط زوّاره ويسأل عن اخبارهم، ويتناوب ركوب الراحلة مع رفيقه، ويلبس الصوف ويأكل الشعير، وربما مشى حافيا، وينام في المسجد، ويركب الحمار.
ويردف على الدابة، ويعاون الضعيف ويتفقد السرية، ويكون في آخرهم فيساعد من احتاج، ويرافق الوحيد منهم، فصلى الله عليه وسلم ما تحرّك بذكره اللسان وسارت بأخباره الركبان وردّد حديثه الإنس والجان.