ضيافة الإسراء والمعراج تكريما من الله لنبية

بقلم محمـــد الدكـــروري

الحمد لله أنشأ الكون من عدم وعلى العرش إستوى، أرسل الرسل وأنزل الكتب تبيانا لطريق النجاة والهدى، أحمده جل شأنه وأشكره على نعم لا حصر لها ولا منتهى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له يرتجى، ولا ند له يبتغى، وأشهد أن نبينا وحبيبنا محمدا عبد الله ورسوله الحبيب المصطفى والنبي المجتبى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن سار على النهج واقتفى أما بعد ذكرت المصادر الإسلامية التاريخية وكتب السيرة النبوية الشريفة الكثير عن رحلة الإسراء والمعراج، وإن من دروس رحلة الإسراء والمعراج هو أن المنح لا تكون إلا بعد المحن، وإن الله عوّد عباده المؤمنين أن “العطايا لا تكون إلا بعد الرزايا” وأن “المنح لا تكون إلا بعد المحن” وأن “اليسر لا يكون إلا في ذيل العسر” نعم، فقد توالت على رسول الله صلى الله عليه وسلم الأحزان والآلام قبل إسرائه ومعراجه.

حتى سُمّي ذلك العام بعام الحزن فقد حاصره قومه حصارا خانقا في شعب أبي طالب ثلاث سنوات، كانت قاسيات شديدات عليه وعلى أصحابه، حتى قال سيدنا سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه “خرجت ذات ليلة لأبول والجوع شديد وبينما كنت أقضي حاجتي إذ سمعت قعقعة تحت بولي فإذا بقطعة جلد بعير فأخذتها فغسلتها ثم أحرقتها ثم استففتها وشربت عليها من الماء فقويت عليها ثلاثة أيام” فسبحان الله والله أكبر ثم ماذا بعد هذا؟ يفجع النبي المصطفي صلي الله عليه وسلم بخبر وفاة مناصره ومسانده الذي كان يوفر له الحماية الخارجية أي خارج المنزل لتبليغ دعوة ربه، فيفجع بموت عمه أبي طالب، فإزدادت جراءة كفار قريش عليه، حتى كان أبو لهب يلاحقه في الأسواق والمجامع، يسبه ويسفهه ويرميه بالحجارة ويخبر بأنه كذاب.

حتى دخل النبي صلي الله عليه وسلم على ابنته ذات يوم وقد نثر سفيه من سفهاء قريش التراب على رأسه، فجعلت ابنته تغسل عنه التراب وهي تبكي، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لها‏ ” ‏لا تبكي يا بنيّة، فإن الله مانع أباكي”‏ وقال‏ صلي الله عليه وسلم “‏ما نالت مني قريش شيئا أكرهه حتى مات أبو طالب‏” فانظروا أيها الإخوة الكرام إلى حجم البلاء الذي صُب على النبي المصطفي صلي الله عليه وسلم ثم ماذا بعد هذا البلاء، الذي لو نزل على جبل لجعله هدّا؟ يخرج الحبيب صلي الله عليه وسلم إلى الطائف داعيا وهاديا، يحدوه الأمل في هداية ثقيف، لكنه يصدم برفض أهل الطائف لدعوته، وتعرضهم له بالشتم والأذية، وقد سلطوا عليه وعلى صاحبه سفاءهم، حتى ضاق الحبيب ذرعا، فدخل بستانا يلوذ به ويحتمي بشجراته من الضرب والمطاردة، رافعا يديه إلى السماء.

مناجيا ربه، معتذرا إليه، متحببا إليه، بكلمات كريمة، وبدعاء صادق نبع من أعماق قلبه الحزين، قد إمتزجت كلماته بحرقه وجدانه المكسور، ثم ماذا بعد هذا أيها الأحبة؟ يفجع النبي صلي الله عليه وسلم بخبر وفاة ردئه ومؤازره زوجته أم المؤمنين السيدة خديجة رضي الله عنها، التي ملأت عليه قلبه وعقله، التي كانت تؤازره وتسانده في أحرج أوقاته، وتواسيه بنفسها ومالها في أحلك الظروف، فإنها بلايا ومحن ومصائب صُبّت على النبي صلي الله عليه وسلم لو أنها صُبت على الأيام صرن لياليا وهي موت للسند الخارجي، موت للسند الداخلي، طرد وضرب من أهله، لكن ما نتيجة هذا الصبر؟ وما نتيجة هذا الرضا والتسليم المطلق لقضاء الله تعالي؟ ما نتيجة هذه العبودية الخالصة التي ليس للنفس حظ فيها؟ النتيجة دعوة كريمة ومكرمة للنبي المصطفي صلي الله عليه وسلم بزيارة السماء.

حتى وصل إلى درجة من الرقي، لم يصلها قبله إنس ولا ملك مقرب، فجاءت ضيافة الإسراء والمعراج تكريما من الله تعالى له صلى الله عليه وسلم، وتجديدا لعزيمته وثباته، أرأيتم أيها المسلمون؟ بعد كل هذه المآسي والآلام التي مر بها الحبيب المصطفي صلى الله عليه وسلم جاء الفرج من الله تعالي