الحمد لله خلق الخلق وبالعدل حكم مرتجى العفو ومألوه الأمم كل شيء شاءه رب الورى نافذ الأمر به جف القلم، لك الحمد ربي من ذا الذي يستحق الحمد إن طرقت طوارق الخير تبدي صنع خافيه إليك يا رب كل الكون خاشعة ترجو نوالك فيضا من يدانيه، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، أسلم له من في السماوات والأرض طوعا وكرها وإليه يرجعون، وأشهد أن محمدا عبد الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليما كثيرا ثم أما بعد قيل أن الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان لما نزل به الموت جعل يتغشاه الكرب ويضيق عليه النفس، فأمر بنوافذ غرفته ففتحت، فالتفت فرأى غسالا فقيراً في دكانه، فبكى عبد الملك ثم قل يا ليتني كنت غسالا يا ليتني كنت نجارا، يا ليتني كنت حمالا.
يا ليتني لم أتولي من أمر المؤمنين شيئا ثم مات، فهم ملوك انتقلوا إلى دور ليس فيها خدم يخدمون ولا أهل يكرمون ولا وزراء ينادمون، فانتقلوا إلى دور تجالسهم فيها أعمالهم، وتخاصمهم صحائفهم وما ربك بظلام للعبيد، واعلموا يرحمكم الله بأن شهر شعبان هو شهر الهدي النبوي والسنة النبوية في حب الطاعة والعبادة والصيام والقيام، فقد روى الإمامان البخاري ومسلم عن أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها قالت “ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم استكمل صيام شهر قط إلا شهر رمضان، وما رأيته في شهر أكثر صياما منه في شعبان” وفي رواية عن النسائي والترمذي قالت “ما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في شهر أكثر صياما منه في شعبان، كان يصومه إلا قليلا، بل كان يصومه كله ” وفي رواية لأبي داود قالت.
“كان أحب الشهور إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يصومه شعبان، ثم يصله برمضان ” وهذه أم سلمة رضي الله عنها تقول “ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم شهرين متتابعين إلا شعبان ورمضان” ومن حديث أنس بن مالك رضي الله عنه ” وكان أحب الصوم إليه في شعبان ” ولشدة معاهدته صلى الله عليه وسلم للصيام في شعبان قال ابن رجب “إن صيام شعبان أفضل من سائر الشهور” وقال الإمام ابن حجر “في الحديث دليل على فضل الصوم في شعبان” وقال الإمام الصنعاني “وفيه دليل على أنه يخص شهر شعبان بالصوم أكثر من غيره ” وذكر العلماء في تفضيل التطوع بالصيام في شهري على غيري من الشهور “أن أفضل التطوع ما كان قريبا من رمضان قبله وبعده وذلك يلتحق بصيام رمضان لقربه منه.
وتكون منزلته من الصيام بمنزلة السنن الرواتب مع الفرائض قبلها وبعدها، فيلتحق بالفرائض في الفضل، وهي تكملة لنقص الفرائض، والوقفة التربوية هنا كم يوما تنوي صيامه من هذا الشهر إقتداء بالحبيب المصطفي صلى الله عليه وسلم، وإذا كان شهر شعبان شهرا للصوم عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهو شهر لنوافل الطاعات كلها، حيث ينطلق فيه المسلم من حديث ” إن الله تعالى قال من عادى لي وليّا فقد آذنته بالحرب وما تقرب إليّ عبدي بشيء أحب إليّ مما افترضته عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إليّ بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر فيه ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها ولئن سألني لأعـطينه ولئن إستعاذني لأعيذنه ” ولما كان شعبان كالمقدمة لرمضان.
فإنه يكون فيه شيء مما يكون في رمضان من الصيام وقراءة القرآن والصدقة، فهو ميدان للمسابقة في الخيرات والمبادرة للطاعات قبل مجيئ شهر الفرقان، فأروا الله فيه من أنفسكم خيرا.