العدالة والضغط الاجتماعي بين العائلات: ومدى تأثيرها في حل النزاعات

بقلم :هالة عكاشة


تعتبر العلاقات العائلية من أبرز العوامل التي تشكل البنية الاجتماعية في العديد من المجتمعات، حيث تتداخل فيها العادات والتقاليد مع القيم القانونية والأخلاقية. ولكن في بعض الأحيان،

تتعرض العدالة للمساس نتيجة لضغوط اجتماعية قد تفرضها العائلات على بعض الأفراد،

مما قد يؤدي إلى اتخاذ قرارات غير قانونية أو عرفية لحل النزاعات. هذه الظاهرة تثير العديد

من التساؤلات حول مدى تأثير العوامل العائلية على سير العدالة في المجتمع.



العدالة في مواجهة الضغوط العائلية



العدالة، بمفهومها القانوني، تقوم على مبدأ المساواة أمام القانون وإحقاق الحقوق

بعيدًا عن أي تمييز أو تدخل خارجي. ولكن في مجتمعات معينة، قد يتعرض الأفراد

لضغوط شديدة من عائلاتهم أو مجتمعاتهم لفرض حلول غير قانونية، مثل القبول

بالصلح العرفي أو التسويات التي لا تتماشى مع حكم القانون. في مثل هذه الحالات،

قد يُعتبر قانون الدولة غير كافٍ أو غير مناسب، ويُبحث عن حل يتم التوصل إليه

من خلال القيم العائلية أو المجتمعية.

قال الله تعالى في كتابه الكريم:


“يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىٰ أَلّا تَعْدِلُوا

اَعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ” (المائدة:


هذه الآية تُذكّرنا بأهمية العدالة، حتى في ظل العداوات أو الضغوط الاجتماعية.



تأثير الضغط الاجتماعي والعرفي في حل النزاعات



الضغط الاجتماعي يمكن أن يؤثر بشكل كبير في مسار القضايا القانونية،

خاصة في المجتمعات التي تحترم التقاليد العائلية بشكل كبير. على سبيل المثال،

في النزاعات التي تتعلق بالثأر أو القتل العائلي، قد تُفرض تسويات غير قانونية،

مثل قبول أحد الأطراف بتحمل المسؤولية نيابة عن آخر، أو الضغط على أفراد العائلة

للقبول بحل عرفي يختلف عن حكم المحكمة.

وفي هذا الصدد، قال الله تعالى:
“وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا” (الحجرات: 9)
الآية تشير إلى أهمية السعي نحو الإصلاح بين الأطراف المتنازعة،

ولكن ضمن إطار من العدالة وليس بتجاوز أحكام القانون.

العواقب المترتبة على الحلول غير القانونية

رغم أن الحلول العرفية قد تبدو عملية في بعض الأحيان، إلا أنها قد تفتح الباب

أمام تجاوزات قانونية وتفاقم الأزمات بين العائلات. الحلول غير القانونية قد تؤدي إلى

فرض عقوبات غير متناسبة أو إخفاء الحقيقة، وهو ما يضر بالمجتمع بشكل عام

ويؤدي إلى فقدان الثقة في النظام القضائي. عندما يتم قبول حل عرفي يتجاهل القانون،

فإن هذا يعزز فكرة أن العدالة ليست متاحة للجميع بشكل متساوٍ، مما يؤثر سلبًا على استقرار المجتمع.

قال الله تعالى:
“إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَىٰ أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ” (النساء: 58)
تأمر هذه الآية بأن نلتزم بالعدل في كل أمورنا، بما في ذلك القضايا التي تشمل الآخرين، سواء كانوا من العائلة أو المجتمع.

الخلاصة

بينما يسعى القانون لتحقيق العدالة لكل فرد على حدة، قد تفرض العادات الاجتماعية والعائلية حلولًا تهميشية تتجاوز القضاء الرسمي.

الحلول غير القانونية أو العرفية قد تظهر كخيار لتخفيف الضغوط الاجتماعية

وحل النزاعات سريعًا، لكن يجب أن يتم التفكير بعناية في العواقب المترتبة عليها.

تعزيز الوعي بأهمية تطبيق العدالة القانونية والحفاظ على النظام القضائي

قد يكون هو الطريق الوحيد لضمان حقوق الأفراد وحماية المجتمع من التفكك الاجتماعي.

قال الله تعالى في ختام هذا الحديث:
“وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ” (النساء: 58)
هذه دعوة لحكام الأمة وأفرادها على حد سواء لتطبيق العدالة بكل أبعادها دون التفريق بين أحد، مؤكدًا على أن العدالة أساس استقرار المجتمع