الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم مالك يوم الدين الحمد لله الكريم الوهاب، الحمد لله الرحيم التواب، الحمد لله الهادي إلى الصواب مزيل الشدائد وكاشف المصاب، الحمد لله فارج الهم، وكاشف الغم مجيب دعوة المضطر فما سأله سائل فخاب يسمع جهر القول وخفي الخطاب أخذ بنواصي جميع الدواب فسبحانه من إله عظيم لا يماثل ولا يضاهى ولا يرام له جناب هو ربنا لا إله إلا هو عليه توكلنا وإليه المرجع والمتاب، وسبحان من انفرد بالقهر والإستيلاء، واستأثر بإستحقاق البقاء، وأذل أصناف الخلق بما كتب عليهم من الفناء، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شيك له وأشهد ان محمد عبده ورسوله ثم أما بعد، إن من أحوال أهل القبور أن أماكنهم في الدار الآخرة تعرض عليهم وهم في قبورهم ليزداد المنعمون فرحا إلى فرحهم.
ويزداد المعذبون حسرة على حسرتهم، وإن من أعظم الشهور هو شهر شعبان فهو شهر عظيم، وكثيرا ما نغفل عنه ونترك غنائمه ضائعة فنخرج منه وكأننا في سبات عميق، فلا نستطيع الإغتنام من عباداته وأوقاته، ومن أعظم عباداته هو الصوم، فقد روي عن السيدة عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان كثير الصيام في شهر شعبان، وروى البخاري ومسلم من حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت “كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم حتى نقول لا يفطر، ويفطر حتى نقول لا يصوم، فما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم استكمل صيام شهر إلا رمضان، وما رأيته أكثر صياما منه في شعبان” وإن الله أراد بعباده الخير والقرب والصلاح فكتب علينا الصيام لما فيه من كبح للشهوات والذنوب.
فكان الصيام فرضا علينا كما فرض على الأمم السابقة، فإذا أردنا أن ندخل رمضان بلا مشقة أو تعب من الصيام علينا أن نتدرب على العبادات وأن نكثر منها في شهر شعبان، فالصيام في شعبان هو مدرسة لتربية النفس وصلاحها، فإذا أردنا أن نفوز في رمضان علينا بالبدء في إصلاح أنفسنا وإفاقتها من غيبوبة طالت بها، فإذا لم نصحو في شعبان كيف سنعمل ونستقبل رمضان؟ فعلينا أن نكثر من الصيام وأن نعدد من الختمات، وأن نكثر من إخراج الصدقات، وأن نهجر فراشنا ونقوم ونحي ليلنا والناس نيام، فشعبان شهر تمرين للقلوب والنفوس وقمع للشهوات، وكثرة الصيام فيه تمرين لكي ندخل رمضان بدون مشقة أو تعب، ندخل ونحن نتمتع بكل قوة ونشاط، وأيضا شهر شعبان هو عظيم ترفع فيه الأعمال إلى الله عز وجل.
فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر من الصيام فيه، وعلينا نحن أيضا بكثرة الصيام فيه، ألا نحب أن نقتدي بنبينا ونسير على سنته لكي نسعد بصحبته في الآخرة ؟ فعن أسامة بن زيد، قال قلت يا رسول الله، لم أرك تصوم شهرا من الشهور ما تصوم من شعبان، قال “ذلك شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان، وهو شهر ترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين، فأحب أن يرفع عملي وأنا صائم ” ونحن يا ترى كيف نحب أن يرفع عملنا وصحيفتنا إلى ربنا؟ فإن شهر شعبان ما هو إلا جسر العبور بيننا وبين شهر رمضان، فإن لم نحسن بناء الجسر فلنعلم أننا سنتعثر كثيرا، وستضيع منا الفرص العظيمة في شهر رمضان، سنرى الكثير وقد سبقنا، وقد رق قلبه ودمعت عيناه وزاد شوقه، ونحن بلا حراك.
وقد وجدنا قسوة وغلظة بداخل نفوسنا، بل وجدنا أرواحنا تائهة حائرة لا تعرف عنوانا للراحة، فإذا أتتنا الفرصة لنسير بأنفسنا إلى بر الأمان فعلينا ألا نضيعها ولنعمل على اغتنامها والفوز بها