الحمد لله الذي كان بعباده خبيرا بصيرا، وتبارك الذي جعل في السماء بروجا وجعل فيها سراجا وقمرا منيرا، وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكورا، وتبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا، ثم أما بعد إخوة الإيمان إن الشيطان عدو البشرية جمعاء، حريص كل الحرص على صرف المسلم عن هذه الصلاة، لأن من إنصرف عن صلاته فحتما سينصرف عن بقية أحكام الشريعة، وإنه والله لا دين لمن لا صلاة له ولا حظ له في الإسلام، ولا قدر له عند الله الملك العلام، إن للشيطان حيلا ماكرة يمكر بها على المسلم حتى يضيع عليه دينه فيقذفه في نار جهنم والعياذ بالله وله طرقا عديدة يحتال بها على ضعاف الدين فإن إستطاع أن يمنع المسلم من الصلاة بالكلية فإنه يبذل لذلك كل ممكن وكل مستحيل وإن لم يتمكن من منعه منها.
إحتال عليه بمنعه من الصلاة مع الجماعة ثم منعه من أدائها في وقتها وأغراه بالتكاسل والتسويف، فيحرم المسلم أجر الصلاة وتبقى عليه تبعة تأخيرها وعقوبة عمد ذلك فيها، إن الواقع المر والحاضر التعيس الذي تعيشه الأمة الإسلامية اليوم شاهد على إستحواذ الشيطان عليهم إلا من رحم الله منهم وعصم وإلا فالغالبية العظمى والكثرة الكاثرة من المسلمين تهاونوا في أمر الصلاة، وتقاصروا عن أدائها في أوقاتها فما أصبرهم على النار، إن حال المسلمين اليوم مع الصلاة حال محزنة وحال مخزية، فقد خف ميزان الصلاة عندهم وتساهلوا في شأنها وصار التخلف عنها أمرا هينا بل لا يلقى له بال ” رضوا بالحياة الدنيا من الآخرة، فما متاع الحياة الدنيا في الآخرة إلا قليل ” فيا عباد الله إن البيوت والمحلات التجارية تلتصق بالمساجد وتجاورها من كل جهة وناحية.
ومع هذه النعمة العظيمة فلا يخرج منها إلى بيوت الله عز وجل إلا قلة قليلة وبعضها لا يحضر منها أحد ولا حول ولا قوة إلا بالله، والعجيب أن من يحضرون إلى الصلاة لا ينكرون على المتخلفين عنها، فكم نرى من كثرة الناس في الأسواق والحدائق والمطاعم والملاهي وأمام الشاشات وعلى الأرصفة وفي الشوارع ولا نراهم في أشرف البقاع وأجلها، لا نراهم في بيوت الله عز وجل، فسبحان الله العظيم كيف تساهل أولئك الناس في أمور دينهم وغفلوا عن تحكيم شريعتهم وتركوا صلاتهم وشمروا إلى النار سواعدهم ورضوا بأن يكونوا مع الخوالف، واتصفوا بصفات المنافقين التي وصفهم الله تعالي بها في كتابه العظيم بتكاسلهم عن صلاة الجماعة، حيث قال تعالى ” إن المنافقين يخادعون الله وهو خادعهم وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى يراءون الناس ولا يذكرون الله إلا قليلا “
وإستمع يا من تركت الصلاة، وإستمع يا من قطعت الصلة بالله، ويقول أحد المغسلين للموتى جاءتنا جنازتين إحداهما لشاب يبلغ الرابعة عشرة من عمره والآخر يبلغ الستين، ويقول وإتجه جميع المغسلين إلى ذلك الشاب لتغسيله فغسلناه وكفنّاه ووجدنا راحة وطمأنينة في ذلك فسألنا والده عنه، فقال كان من المحافظين على الصلوات وخاصة صلاة الفجر ولم يترك صلاة الفجر إلا مرة واحدة، عندما حضرته الوفاة قبل الصلاة، وإستطرد المغسل قائلا أما ذلك الطاعن في السن فقد رفض تغسيله كل المغسلين وإذا برائحة كريهة تنبعث منه، فخرج كل من في المغسلة من نتن تلك الرائحة ولم يبق إلا أنا، فإستعنت بالله لتغسيله وعندما سألنا أهله عن حاله قالوا كان لا يعرف جمعة ولا جماعة فإنا لله وإنا إليه راجعون.