التهاون في التكبيرة الأولى للصلاة

بقلم محمـــد الدكـــروري

الحمد لله وكفى، وما قلّ وكفى خير مما كثر وألهى، والصلاة والسلام على النبي المصطفى خاتم الأنبياء والمرسلين وشفيعنا يوم الدين، وعلى آله وصحبه وسلم، ثم أما بعد لقد سطر سلفنا الصالح مواقف مشرقة في المحافظة على الصلاة ، والعناية بأركانها وواجباتها وسننها، فعن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما أنه رأى فتى يصلي فأطل صلاته وأطنب فيها فقال أيكم يعرف هذا ؟ فقال رجل أنا أعرفه، فقال ابن عمر لو كنت أعرفه لأمرته أن يطيل الركوع والسجود فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إن العبد إذا قام إلى الصلاة أتي بذنوبه كلها فوضعت على عاتقيه فكلما ركع أو سجد تساقطت عنه ” رواه الطبراني، وقال ابن جريج لزمت عطاء ثماني عشرة سنة وكان بعدما كبر وضعف يقوم إلى الصلاة فيقرأ مائتي آية من البقرة وهو قائم.

لا يزول منه شيء ولا يتحرك، وقال أبو إسحاق السبيعي ذهبت الصلاة مني وضعفت وإني لأصلي فما أقرأ وأنا قائم إلا البقرة وآل عمران وقيل إنه ما كان يقدر أن يقوم حتى يقام فإذا استقم قائما قرأ وهو قائم ألف آية، وقال خالد بن عمرو رأيت مسعرا كأن جبهته ركبة عنز من السجود، وقال ابن وهب رأيت الثوري في الحرم بعد المغرب صلى ثم سجد سجدة فلم يرفع حتى نودي بالعشاء، هكذا كان حالهم رحمهم الله تعالي، أما حالنا اليوم فهو مؤسف ومحزن فقد أصبحت الصلاة ثقيلة على كثير من الناس حتى إذا كبر أحدهم أومأ بحركات لا روحانية ونقر الصلاة كنقر الغراب، لا يذكر الله فيها إلا قليلا، فهلك النقارون، ووالله لو كان رسول الله صلى الله عليه وسلم حيا بين أظهرنا لقال لهم “ارجعوا فصلوا فإنكم لم تصلوا” ولما نظر سلفنا الصالح إلى هذه الآيات والأحاديث والثمرات.

سطروا صفحات مشرقة في التبكير إلى الصلوات والمحافظة عليها، فها هو عدي بن حاتم رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ما أقيمت الصلاة منذ أسلمت إلا وأنا على وضوء، وقال سعيد بن المسيب ما أذن المؤذن منذ ثلاثين سنة إلا وأن في المسجد، وروي عن الأعمش أنه كان قريبا من سبعين سنة لم تفته التكبيرة الأولى، وكان المحدث الثقة بشر بن الحسن يقال له الصفّي لأنه كان يلزم الصف الأول في مسجد البصرة خمسين سنة، وكان إبراهيم بن ميمون أحد المحدثين يعمل صائغا يطرق الذهب والفضة، فكان إذا رفع المطرقة فسمع النداء وضعها ولم يردّها، وهكذا كان حرصهم وتبكيرهم إلى الصلوات، فأين نحن من حالهم ونحن نرى الجموع المتأخرة تقضي خلف الصفوف ناهيك عن الذين يقضون خلف الإمام ويعتذرون عن تأخرهم بأعذار.

هي أوهى من بيت العنكبوت، فإذا كانوا نائمين أدوها متى استيقظوا، وإذا كانوا مشغولين صلوها عند الفراغ من شغلهم، فالصلاة عند هؤلاء تؤجل لأي سبب، وتؤخر عند أي عارض، فالصلاة تؤخر لقراءة صحيفة أو مجلة، والصلاة تؤجل لأحاديث ودية وملاطفة ضيف أو زائر، فكيف يصلي الآن وهو مشغول مع صديقه يتناول معه الشاي والقهوة، والصلاة تؤخر لأن المباراة على أشدها، ووضع الفريق محرج يستدعي المتابعة والمؤازرة، والصلاة تؤخر حتى يخرج الوقت لأنه مسافر على متن طائرة لساعات طويلة، والوضع محرج أن أؤدي الصلاة والركاب ينظرون إليّ، وقد يكون فيهم بعض الأجانب، وهذا والله من قلة تعظيم الله وأوامر الله في النفوس، والله المستعان، وقد روى الإمام مسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال.

“لا يزال قوم يتأخرون حتى يؤخرهم الله” وزاد الإمام أحمد “يوم القيامة” وقال النووي معني يتأخرون، أي عن الصفوف الأول حتى يؤخرهم الله تعالى عن رحمته أو عظيم فضله ورفع المنزلة وعن العلم ونحو ذلك، وقال إبراهيم التيمي إذا رأيت الرجل يتهاون في التكبيرة الأولى فاغسل يدك منه، وإذا كان الأمر كذلك، فإن جميع ما تقدم ذكره في التبكير والمبادرة إلى الصلوات يتأكد في الحضور لخطبتي وصلاة الجمعة، فقد حث الشارع على التبكير إلى الذكر والصلاة في هذا اليوم المبارك، حيث قال الله سبحانه ” يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع ، ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون”