تقرير علياء الهواري
في صيف عام 1943، اشتعلت واحدة من أعنف معارك الحرب العالمية الثانية على الأراضي السوفيتية،
حيث حاولت القوات الألمانية استعادة المبادرة العسكرية بعد هزيمتها في ستالينغراد. لكن ما حدث في كورسك لم يكن مجرد معركة،
بل كان حصارًا أسطوريًا حطم أسطورة “الجيش الذي لا يُقهر”. في هذه المواجهة الحاسمة، اصطدمت أقوى ترسانات الدبابات في العالم في ملحمة غيرت المجرى
بعد الهزيمة الكارثية في ستالينغراد، أدركت القيادة الألمانية أنها فقدت زمام المبادرة على الجبهة الشرقية. ولتعويض الخسائر، قرر هتلر شن هجوم كاسح على منطقة كورسك، التي كانت تشكل بروزًا في الخطوط السوفيتية، على أمل تطويق القوات الحمراء وتوجيه ضربة قاتلة للاتحاد السوفيتي. أطلق الألمان على العملية اسم “سيتيادل”(Citadel)، وكان الهدف منها القضاء على الجيب السوفيتي بضربة مباغتة.
لكن السوفييت كانوا يعلمون أن الألمان سيهاجمون، فاستعدوا جيدًا لهذه اللحظة، محولين كورسك إلى قلعة حصينة من الدفاعات العميقة والخنادق والألغام المضادة للدبابات.
في 5 يوليو 1943، انطلقت عملية “سيتيادل”، لتبدأ أكبر معركة دبابات عرفها التاريخ. دفع الألمان بقوات هائلة، تضم أكثر من 900 ألف جندي، و2700 دبابة، و2000 طائرة بينما واجههم السوفييت بجدار ناري هائل قوامه 1.3 مليون جندي، و3600 دبابة، و2400 طائرة
وعلى مدار أيام، تحولت كورسك إلى ساحة نار وجحيم، حيث دارت معركة بروخوروفكا، التي وصفت بأنها أعنف معركة دبابات على الإطلاق. اصطدمت آلاف الدبابات وجهًا لوجه، حتى أصبح المشهد أشبه بحقل من الحديد المحترق. ورغم التفوق التقني للدبابات الألمانية مثل “النمر” و”النمر الملكي” فإن الدفاعات السوفيتية أثبتت صلابتها، وأوقفت التقدم النازي.
في 12 يوليو، بدأ الجيش الأحمر هجومه المضاد، ليقلب الطاولة على الألمان، الذين وجدوا أنفسهم عاجزين عن التقدم. وبحلول 23 أغسطس، انتهت المعركة رسميًا بانتصار ساحق للاتحاد السوفيتي. كانت الخسائر فادحة للطرفين، لكن الجيش الألماني تلقى ضربة لم يستطع التعافي منها أبدًا.
– خسرت ألمانيا أكثر من 200 ألف جندي، ودُمرت آلاف الدبابات والطائرات، بينما فقد السوفييت حوالي 250 ألف جندي، لكنهم نجحوا في الحفاظ على مواقعهم.
– بعد كورسك، لم يعد الألمان قادرين على شن هجمات كبرى على الجبهة الشرقية، وأصبحت القوات السوفيتية في موقف هجومي حتى وصلت إلى برلين في 1945.
– مثلت هذه المعركة إعلانًا واضحًا: الجيش الأحمر بات القوة المهيمنة على الجبهة الشرقية، وألمانيا النازية بدأت مسيرة الهزيمة المحتومة.
حصار كورسك لم يكن مجرد معركة في الحرب العالمية الثانية، بل كان نقطة تحول تاريخية غيّرت وجه الحرب. في هذه الأرض المحترقة، تحطم الحلم النازي، وبدأ العد التنازلي لسقوط الرايخ الثالث. واليوم، لا تزال كورسك رمزًا للمقاومة والتخطيط العسكري الاستثنائي الذي قلب موازين القوى العالمية.