الحمد لله رب العالمين العليم الحكيم العزيز الغفار، القهار الذي لا تخفى معرفته على من نظر في بدائع مملكته بعين الإعتبار، القدوس الصمد التعالي عن مشابه الأغيار، وأشهد إن لا اله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو علي كل شيء قدير، وأشهد أن سيدنا وحبيبنا وشفيعنا محمد عبد الله ورسوله وصفيه من خلقه وحبيبه، فاللهم صلي عليه وعلي اله وأصحابه ومن سار على نهجه وتمسك بسنته وإقتدى بهديه واتبعهم بإحسان إلي يوم الدين أما بعد لقد ذكرت كتب الفقه الإسلامي الكثير عن موضوع الإعتكاف، وقد جاء في حديث ام المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها “إذا أراد أن يعتكف صلى الفجر ثم دخل معتكفه” فالمراد به المكان الخاص الذي يخلو به، والله أعلم، ويخرج ليلة العيد فحينما يعلن أن غدا العيد تكون إنتهت العشر الأواخر ودخل شهر شوال.
وأقل المنقول عن النبي صلى الله عليه وسلم فيه ليلة فعن ابن عمررضي الله عنهما أن عمر رضي الله عنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم قال كنت نذرت في الجاهلية أن أعتكف ليلة في المسجد الحرام؟ قال فأوفي بنذرك” وفيه دليل على أن الإعتكاف لا يشترط له الصوم، ولا حد لأكثر الإعتكاف لعموم الأدلة، وكان النبي صلى الله عليه وسلم ينفرد وهو معتكف في مكان خاص ففي حديث أبي سعيد رضي الله عنه “في قبة تركية” مشتغلا بالذكر، ومن ذلك القرآن فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال “كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل، وكان يلقاه في كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن، فلرسول الله صلى الله عليه وسلم أجود بالخير من الريح المرسلة” وكما كان صلي الله عليه وسلم مشتغلا بالصلاة فتشغله العبادة.
حتى عن الطعام والشراب في بعض الأحيان، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال “نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الوصال في الصوم، فقال له رجل من المسلمين إنك تواصل يا رسول الله؟ قال “وأيكم مثلي إني أبيت يطعمني ربي ويسقين” فلما أبوا أي رفضوا أن ينتهوا عن الوصال واصل بهم يوما ثم يوما ثم رأوا الهلال” والمراد من قول النبي صلى الله عليه وسلم “يطعمني ربي ويسقين” طعام وشراب معنوي لا حسي، فانشغاله بذكره ومناجاته التي هي غذاء القلوب تنسيه الأكل والشرب، فمن اشتغل قلبه بشيء مهم أنساه الطعام والشراب، كالمصاب بفقد عزيز أو الظفر به، والله أعلم، وكما يستقبل المعتكف من يزوره، فعن أم المؤمنين السيدة صفية رضي الله عنها أنها جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوره في إعتكافه في المسجد في العشر الأواخر من رمضان.
فتحدثت عنده ساعة ثم قامت تنقلب، وكذلك للمعتكف أن يتصل بغيره ويستقبل المكالمات، وليكن ذلك للحاجة لأن الإكثار من استقبال الزائرين والإكثار من المكالمات ينافي الحكمة من مشروعية الاعتكاف، وقال ابن القيم “ما يفعله الجهّال من إتخاذ المعتكف موضع عشرة، ومجلبة للزائرين، وأخذهم بأطراف الأحاديث بينهم، فهذا لون، والإعتكاف النبوي لون، والله الموفق” وكما يستحب القضاء لمن فاته إعتكاف العشر بعذر، فعن السيدة عائشة رضي الله عنها قالت، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر أن يعتكف العشر الأواخر من رمضان، فاستأذنته عائشة فأذن لها، وسألت حفصة عائشة أن تستأذن لها ففعلت، فلما رأت ذلك زينب ابنة جحش أمرت ببناء فبُني لها، قالت وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى انصرف إلى بنائه، فبصر بالأبنية فقال ما هذا؟ قالوا بناء عائشة وحفصة وزينب، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم “البر أردن بهذا؟ ما أنا بمعتكف” فرجع، فلما أفطر اعتكف عشرا من شوال”