“شم النسيم.. عبق التاريخ على موائد المصريين”

بقلم: أشرف ضلع

في مشهد يتكرر كل عام، تستقبل مصر عيد شم النسيم بطقوس فريدة تمتزج فيها روح الفراعنة بفرحة الحاضر، لتصنع لوحة مصرية أصيلة يتشاركها الجميع من مختلف الفئات والطوائف، في تظاهرة وطنية تتجاوز حدود الزمان والمعتقد.

شم النسيم، الذي يعود أصله إلى الدولة الفرعونية القديمة، يرمز إلى بداية فصل الربيع وتجدد الحياة، وقد ارتبط في الوجدان المصري بالبهجة والانطلاق، حيث تخرج الأسر إلى الحدائق والمتنزهات والشواطئ، ويملأ الهواء عبير الزهور وعبق الفسيخ والبصل والملوحة، في مزيج لا تخطئه أنف المصري العاشق لتقاليده.

ورغم مرور آلاف السنين، لا تزال عادات شم النسيم حية نابضة؛ فالأمهات يقمن بتحضير البيض الملون الذي كان لدى الفراعنة رمزًا للبعث والانبعاث، فيما يحافظ الكبار والصغار على تقليد تناول “الرنجة” و”الفسيخ” كأطباق لا تغيب عن الموائد في هذا اليوم.

وتشهد المدن الكبرى، خاصة القاهرة والإسكندرية والمنصورة، ازدحامًا في الحدائق العامة والكورنيش، وسط استعدادات أمنية وصحية مكثفة لتأمين الاحتفالات، وضمان سلامة المواطنين.

وفي السنوات الأخيرة، أصبح شم النسيم فرصة أيضًا لإحياء التراث الشعبي والفني، من خلال تنظيم حفلات موسيقية وعروض فنية بالمواقع الأثرية والمراكز الثقافية، مما يضفي على المناسبة أبعادًا ثقافية وسياحية تضيف إلى رصيد مصر الحضاري.

ويعد شم النسيم عيدًا مدنيًا بامتياز، لا يرتبط بدين أو طائفة، بل هو تجسيد حي لوحدة النسيج المصري، حيث يحتفل به المسلمون والمسيحيون على حد سواء، في مشهد يحمل رسائل محبة وسلام وتسامح.

شم النسيم ليس مجرد عطلة في روزنامة الأيام، بل هو مناسبة مصرية خالصة، تعيد ربط الإنسان بجذوره، وتذكره بأن في البساطة والجمال تكمن أسباب الفرح، وأن مصر، كما كانت دائمًا، قادرة على صُنع الأمل من عمق التاريخ.