خطة “عربات جدعون” الإسرائيلية… بين الرمزية التاريخية والتصعيد العسكري في غزة

بقلم علياء الهوارى

في ظل تصاعد الأحداث على الساحة الفلسطينية، كشفت إسرائيل في مايو 2025 عن خطة عسكرية جديدة أطلقت عليها اسم “عربات جدعون”، وهي خطة تهدف إلى تغيير قواعد اللعبة في قطاع غزة، عبر تصعيد واسع في العمليات العسكرية، والضغط القسري على السكان الفلسطينيين، مع استخدام رمزية تاريخية دينية لتبرير الخطوات المتخذة.
اختيار اسم “عربات جدعون” ليس عبثيًا، بل يحمل دلالات واضحة مستمدة من التاريخ التوراتي. جدعون، القاضي والقائد العسكري القديم، رمز للنصر والتحرر من العدو. إسرائيل تحاول عبر هذه التسمية ربط نفسها بتاريخ يمتد لآلاف السنين، وخلق إطار شرعي يعزز من موقفها الداخلي والعالمي تجاه هذه العملية. هو استدعاء متعمد للقائد الذي استخدم الحيلة والقوة معًا لينتصر رغم الظروف الصعبة، ما يعطي الخطة الجديدة مسحة من القوة والتخطيط الحازم.
الهدف الرئيسي لخطة “عربات جدعون” هو إعادة تشكيل الواقع الأمني والسياسي في غزة بشكل يضمن القضاء على قدرة حركة حماس على المقاومة المسلحة، وبناء منظومة سيطرة إسرائيلية دائمة عبر:
تهجير السكان: إجبار سكان مناطق واسعة على النزوح جنوبًا، مما يخلق مناطق خالية أو شبه خالية يمكن السيطرة عليها بسهولة.
تدمير البنية التحتية العسكرية: استهداف شبكة الأنفاق، المقرات، والذخائر، للحد من قدرة حماس على شن هجمات.
احتلال طويل الأمد: السيطرة المباشرة على مناطق واسعة داخل القطاع، لمنع إعادة بناء المقاومة.
تقسيم القطاع: عزل المناطق عن بعضها البعض عبر نقاط تفتيش وحواجز، لفصل المدنيين عن مقاتلي المقاومة.
هذه الأهداف لا تهدف فقط لتحقيق انتصار عسكري مؤقت، بل إلى تغيير ديموغرافي واستراتيجي مستدام.

العملية لا تقتصر على القصف العسكري فقط، بل تشمل سلسلة من الإجراءات الأمنية واللوجستية:
إنشاء مراكز لوجستية لإدارة عمليات التهجير وإمداد السكان بالمساعدات الخاضعة للتحكم الإسرائيلي.
استخدام نشرات إعلامية ورسائل تهديد لإجبار السكان على النزوح.
إقامة نقاط تفتيش أمنية مشددة لفصل السكان عن مقاتلي المقاومة.
شن حملة نفسية وإعلامية تستهدف زعزعة ثقة السكان والمقاومين بقيادتهم

توقعات واسعة تشير إلى أن الخطة ستتسبب في موجة نزوح كبيرة لنحو نصف مليون فلسطيني، وسط ظروف مأساوية من نقص الغذاء، المياه، والخدمات الطبية.
المدنيون العزل سيتحملون العبء الأكبر، في ظل احتمالات ارتفاع أعداد القتلى والجرحى، وانتشار الأوبئة بسبب تدهور الوضع الصحي
الخطة واجهت إدانة شديدة من مؤسسات حقوق الإنسان، والعديد من الدول التي اعتبرتها “تصعيدًا خطيرًا” و”انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي”.
الفلسطينيون يرون في “عربات جدعون” محاولة لإعادة فرض احتلال كامل للقطاع وتهجير سكانه، في حين تحذر أوساط دولية من انفجار الأوضاع إلى مواجهة أوسع وأشد عنفًا

خطة “عربات جدعون” ليست مجرد عملية عسكرية عابرة، بل هي محاولة إسرائيلية لإعادة هندسة الواقع الفلسطيني في غزة عبر أدوات الحرب والتغيير الديموغرافي، مستندة إلى رمزية تاريخية قوية لتعزيز شرعيتها.
السيناريوهات المقبلة مرهونة بمدى صمود الفلسطينيين، وتفاعل المجتمع الدولي، وقدرة الأطراف على تجاوز الانزلاق نحو صراع أوسع.