ولن يؤخر الله نفسا إذا جاء أجلها

بقلم محمـــد الدكـــروري

الحمد لله الذي نوّر بالقرآن القلوب، وأنزله في أوجز لفظ وأعجز أسلوب، فأعيت بلاغته البلغاء، وأعجزت حكمته الحكماء، أحمده سبحانه وهو أهل الحمد والثناء، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله المصطفى، ونبيه المرتضى، معلم الحكمة، وهادي الأمة، صلى الله عليه وعلى آله الأبرار، وصحبه الأخيار، ما تعاقب الليل والنهار، وسلم تسليما كثيرا ثم اما بعد ذكرت كتب الفقه الإسلامي الكثير عن السحر وكيف يتم إبطاله، ومن أصيب بالسحر ليس له أن يتداوى بالسحر، فإن الشر لا يزال بالشر، والكفر لا يزال بالكفر، وإنما يزال الشر بالخير ولهذا لما سُئل عليه الصلاة والسلام عن النشرة قال “هي من عمل الشيطان” والنشرة المذكورة في الحديث هي حل السحر عن المسحور بالسحر، أما إن كان بالقرآن الكريم، والأدوية المباحة، والرقية الطيبة.

فهذا لا بأس به، وأما بالسحر، فلا يجوز لأن السحر عبادة للشياطين، فالساحر إنما يسحر ويعرف السحر بعد عبادته للشياطين، وبعد خدمته للشياطين، وتقرّبه إليهم بما يريدون، وبعد ذلك يعلمونه ما يحصل به السحر، لكن لا مانع، والحمد لله من علاج المسحور بالقراءة وبالتعوذات الشرعية، بالأدوية المباحة، كما يعالج المريض من أنواع المرض من جهة الأطباء، وليس من اللازم أن يشفى لأنه ما كل مريض يشفى، فقد يعالج المريض فيشفى، إن كان الأجل مؤخرا، وقد لا يشفى ويموت في هذا المرض، ولو عُرض على أحذق الأطباء، وأعلم الأطباء، متى نزل الأجل لم ينفع الدواء ولا العلاج لقول الله تعالى ” ولن يؤخر الله نفسا إذا جاء أجلها ” وإنما ينفع الطب وينفع الدواء إذا لم يحضر الأجل، وقدّر الله للعبد الشفاء، كذلك هذا الذي أُصيب بالسحر قد يكتب الله له الشفاء.

وقد لا يكتب له الشفاء، إبتلاء وإمتحانا، وقد يكون لأسباب أخرى الله يعلمها جل وعلا، منها أنه قد يكون الذي عالجه ليس عنده العلاج المناسب لهذا الداء وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ” لكل داء دواء، فإذا أصيب دواء الداء، برئ بإذن الله عز وجل” وقال عليه الصلاة والسلام ” ما أنزل الله داء إلا أنزل له شفاء، علمه من علمه، وجهله من جهله” ومن العلاج الشرعي أن يُعالج السحر بالقراءة، فالمسحور يقرأ عليه أعظم سورة في القرآن وهي الفاتحة، وتكرر عليه، فإذا قرأها القارئ الصالح المؤمن الذي يعرف أن كل شيء بقضاء الله تعالي وقدره، وأنه سبحانه وتعالى مصرف الأمور، وأنه متى قال للشيء كن فإنه يكون، فإذا صدرت القراءة عن إيمان، وعن تقوى، وعن إخلاص، وكرر ذلك القارئ، فقد يزول السحر ويشفى صاحبه بإذن الله.


وقد مر بعض الصحابة رضي الله عنهم على بادية قد لدغ شيخهم، يعني أميرهم، وقد فعلوا كل شيء ولم ينفعه، فقالوا لبعض الصحابة هل فيكم من راقٍ؟ قالوا نعم، فقرأ عليه أحدهم سورة الفاتحة، فقام كأنه نشط من عقال في الحال، وعافاه الله تعالي من شر لدغة الحية، والنبي عليه الصلاة والسلام قال ” لا بأس بالرقى ما لم تكن شركا ” وقد رقى ورُقي عليه الصلاة والسلام، فالرقية فيها خير كثير، وفيها نفع عظيم، فإذا قرئ على المسحور بالفاتحة، وبآية الكرسي، وبسورة الإخلاص والمعوذتين، أو بغيرها من الآيات، مع الدعوات الطيبة الواردة في الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم مثل قوله صلى الله عليه وسلم لما رقى بعض المرضى ” اللهم رب الناس أذهب البأس، واشفي أنت الشافي لا شفاء إلا شفاؤك، شفاء لا يغادر سقما ” يكرر ذلك ثلاث مرات أو أكثر.

ومثل ما ورد عنه صلى الله عليه وسلم أن جبريل عليه السلام رقاه صلى الله عليه وسلم بقوله ” بسم الله أرقيك، من كل شيء يؤذيك، ومن شر كل نفس أو عين حاسد، الله يشفيك، بسم الله أرقيك” ثلاث مرات، فهذه رقية عظيمة وثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم، يشرع أن يرقى بها اللديغ والمسحور والمريض، ولا بأس أن يرقى المريض والمسحور واللديغ بالدعوات الطيبة، وإن لم تكن منقولة عن النبي صلى الله عليه وسلم إذا لم يكن فيها محذور شرعي لعموم قوله صلى الله عليه وسلم ” لا بأس بالرقى ما لم تكن شركا ” وقد يعافي الله المريض والمسحور وغيرهما بغير الرقية وبغير أسباب من الإنسان لأنه سبحانه هو القادر على كل شيء، وله الحكمة البالغة في كل شيء وقد قال سبحانه في كتابه الكريم ” إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون ” فله سبحانه الحمد والشكر على كل ما يقضيه ويقدره، وله الحكمة البالغة في كل شيء عز وجل