بقلم محمـــد الدكـــروري
الحمد لله رب العالمين جعل الرفعة لعباده المتواضعين، والذل والصغار على المتكبرين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إله الأولين والآخرين، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين أما بعد انظروا يرحمكم الله كيف فرّق الصحابه رضوان الله عليهم أجمعين بحلاوة إيمانهم ومذاقهم بين طعم الحلال وبين ما فيه شبهة، وانظروا إلى ذلك وإلى حالنا كما وصفه نبينا المصطفي صلي الله عليه وسلم فقال “يأتي علي الناس زمان لا يبالي المرء ما أخذ منه أمن الحلال أم من الحرام ” فإن تحري الحلال له تأثير على نفسك وجميع جوارحك، فقال سهل رضي الله عنه، من أكل الحرام عصت جوارحه شاء أم أبى، علم أو لم يعلم ومن كانت طعمته حلالا أطاعته جوارحه ووفقت للخيرات.
وقال بعض السلف إن أول لقمة يأكلها العبد من حلال يغفر له ما سلف من ذنوبه، ومن أقام نفسه مقام ذل في طلب الحلال تساقطت عنه ذنوبه كتساقط ورق الشجر، وإن هناك أمثله لأفراد تركوا دينهم وابتعدوا عن هدي النبي صلي الله عليه وسلم، فهذا رجل الأمن الذي يعمل في المراقبة الطرقية وتنظيم حركة المرور والسهر على سلامة المواطنين لكن ما أن تقع يده على مخالفة ما حتى يحاول أن يضرب له بسهم منها ويأخذ عن ذلك رشوة من المواطنين وكأنه حقه الشرعي فيجمع من خلال ذلك المال الحرام لكنه المسكين كان له طفل كثير المرض ما أن يعافى من مرض حتى يسقط طريح الفراش مرة أخرى وكأن الله تعالي يرسل إليه إنذارا لعله يقلع عن أكله أموال الناس بالباطل، ولكن إستمر هذا الرجل على هذه الحال يأخذ من هنا ويمرض له ولده من هناك حتى جاءت البشرى من عند الله تعالي.
حيث اشتكى حالة ابنه هذه لصديق له فكان خير صديق فنصحه بأن يقلع عن أخذ الرشوة كي يشافى إبنه، وقبل هذه النصيحة وأصر على ألا يدخل على بيته فلسا من حرام، فاشترى لحما من خالص عمله وأدخله على بيته وحين تناوله إبنه تلفظ قائلا يا أبي أول مرة في حياتي أتذوق لذة اللحم، ازدادت قناعته وإيمانه فتاب إلى الله توبة نصوحا فشفى الله ابنه من مرضه وهذا ليس قاصرا على شرطي المرور ولكن قس على ذلك كل وزارات ومؤسسات الدولة، فإن تعجلك بجمع المال عن طريق الحرام كان سببا في منع الحلال من الوصول إليك، فمن إستعجل الرزق بالحرام مُنع الحلال، وروي عن الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه دخل مسجد الكوفة فأعطى غلاما دابته حتى يصلي، فلما فرغ من صلاته أخرج دينارا ليعطيه الغلام، فوجده قد أخذ خطام الدابة وإنصرف.
فأرسل رجلا ليشتري له خطاما بدينار، فاشترى له الخطام، ثم أتى فلما رآه علي رضي الله عنه، قال سبحان الله إنه خطام دابتي، فقال الرجل اشتريته من غلام بدينار، فقال علي رضي الله عنه سبحان الله أردت أن أعطه إياه حلالا، فأبى إلا أن يأخذه حراما، فالسارق رزقه كان سيأتيه عن طريق الحلال ولكنه تعجله بطريق الحرام، والمرتشي رزقه كان سيأتيه عن طريق الحلال ولكنه تعجله بطريق الحرام، والغاش في البيع والشراء رزقه كان سيأتيه عن طريق الحلال ولكنه تعجله بطريق الحرام، والذي حصل على وظيفة بالوساطة والمحسوبية رزقه كان سيأتيه عن طريق الحلال ولكنه تعجله بطريق الحرام، وقس على ذلك كل طرق الكسب المحرمة والمنتشرة في المجتمع، وفي تحرى أكل الحلال قيل أنه جاء رجل إلى الإمام الشافعي يشكو له ضيق حاله.
وأخبره أنه يعمل أجيرا بخمسة دراهم وأن أجره لا يكفيه، فما كان من الشافعي إلا أن أمره أن يذهب إلى صاحب العمل ويطالبه بإنقاص أجره إلى أربعة دراهم بدلا من خمسة وإمتثل الرجل لأمر الشافعي رغم أنه لم يفهم سببه، وبعد فترة عاد الرجل إلى الشافعي وقال لم يتحسن وضعي إنما مازالت المشكلة قائمة، فأمره الشافعي بالعودة إلى صاحب العمل وطلب إنقاص أجره إلى ثلاثة دراهم بدلا من أربعة دراهم، ذهب الرجل ونفذ ما طلب منه الإمام الشافعي مندهشا، وبعد فتره عاد الرجل إلى الشافعي وشكره على نصيحته وأخبره أن الثلاثة دراهم أصبحت تغطي كل حوائجه وتفيض، بعدها سأله عن تفسير هذا الذي حدث معه فأخبره الشافعي أنه كان من البداية يعمل عملا لا يستحق عليه إلا ثلاثة دراهم وبالتالي الدرهمان الباقيان لم يكونا من حقه.
وقد نزعا البركة عن بقية ماله عندما اختلط به، وأنشد جمع الحرام على الحلال ليكثره، دخل الحرام على الحلال فبعثره، فيا من همك التوقيع في سجل الحضور والانصراف ويا من همك الدراهم والدنانير دون النظر إلى مصدرها، ويا من تطعم أولادك حرام، ويا من تراشي وتحابي رئيسك ومديرك من أجل هروبك من العمل وتقصيرك فيه أو من أجل الوصول إلى وظيفة أو جاه، حق عليكم تحري الحلال والبعد عن المتشابه والحرم، واتقوا الله جميعا في أنفسكم وفي أولادكم لا تطعموهم الحرام فإنهم يصبرون على الجوع ولا يصبرون على حر النار، فكل جسد نبت من سحت فالنار أولى به، أسأل الله العلي العظيم أن يطيب كسبنا وكسبكم، وأن يصلح نياتنا ونياتكم، وأن يرزقنا وإياكم الرزق الحلال ويبارك لنا فيه، إنه سميع قريب مجيب.