الحمد لله رب العالمين الذي أنزل شريعة الإسلام هدى للناس ورحمة للعالمين، وجعلها لنا صراطا مستقيما يهدي بنا إلى سعادة الدارين، والشكر له أن هدانا إلى الإسلام، وفضلنا على العالمين أجمعين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله إمام الخاشعين، اللهم صل وسلم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه الطيبون الطاهرون، الحافظين لحدودك يا ربنا والخاشعين لك، وبعد فاتقوا الله عباد الله، اتقوا الله في أنفسكم، وفي صلواتكم لتفلحوا في دنياكم، ثم أما بعد إن من أنواع الأدب هو الأدب مع الله عز وجل، وإن من الأدب مع الله تعالي هو أدب نبي الله موسى عليه السلام، فلما نزل مدين قال ” رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير” والمعنى أنا فقيرإلى خيرك يارب ومحتاج إلى فضلك ولم يقل أطعمني مثلا.
وآدم عليه السلام لما أٌهبط من الجنة إلى الأرض قال ” ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين ” ولم يقل رب قدرت علي هذه المعصية وقضيت علي بها، ونحو ذلك بل نسب الظلم إلى نفسه ” ظلمت نفسي فاغفرلي” وكذلك قول أيوب عليه السلام “إني مسني الضر وأنت أرحم الرحمين” وهذا أعظم أدبا من أن يقول فعافني واشفني، ثم قال “وأنت أرحم الرحمين” والأدب عند أنبياء الله طويل لا ينتهي، ونذكر هنا جانبا من أدب الأنبياء مع المخلوقين، كان من أدب نبي الله يوسف عليه السلام مع أبيه وإخوته حين قال لأبيه ط قال هذا تأويل رؤياي من قبل قد جعلها ربي حقا وقدأحسن بي إذ أخرجني من السجن ” فلم يقل أخرجني من الجب مع أنه أخرجه من الجب لأنه لا يريد أن يجرح مشاعر إخوانه تأدبا معهم، وكذلك فإنه لما جاء بإخوته وأهله.
قال ” وجاء بكم من البدو” ما قال مثلا رفع عنكم الجهل والجوع والحاجه، أو أنني فعلت ذلك لكم أوأنني أنقذتكم من الجوع والجهل، ثم قال “من بعد أن نزغ الشيطان بيني وبين إخوتي” فنسب الفعل إلى الشيطان، ولم يقل من بعد أن فعل بي إخواني ما فعلوا وظلموني ونحوذلك، وكذلك من الأدب مع الله سبحانه وتعالى أن يستر الرجل عورته وإن كان خاليا، أما نبينا صلى الله عليه وسلم فقد ضرب المثل العظيم في الأدب مع ربه عز وجل، ومن أمثلة ذلك ما يذكره المفسرون عند قوله سبحانه وتعالى “مازاغ البصر وما طغى ” وأن النبي صلى الله عليه وسلم لما إرتفع إلى السماء لم يزغ بصره ولم يطغ، أي لم يزغ يمينا أو شمالا، ولا طغى فنظر أمام المنظور، إنما كان مطرقا خاشعا “مازاغ البصروما طغى” فهذا صفة مقدمه صلى الله عليه وسلم على ربه.
ويتجلى في ذلك كمال أدبه عليه الصلاة والسلام، وكذلك فإنه ينبغي أن يعلم المسلم أن الأدب مع النبي صلى الله عليه وسلم من أنواع الأدب العظيمة التي أوجبتها الشريعة المطهرة، وهذا يشمل أشياء كثيرة جدا، فمن الأدب مع النبي صلى الله عليه وسلم هو التسليم له والإنقياد لأمره وتصديق خبره وتلقيه بالقبول، وعدم معارضته بحيث لا يستشكل قوله وإنما تستشكل الأفهام ولا يقدم بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا، ولا يدّعي نسخ سنته، وكذلك لا ترفع الأصوات فوق صوته صلى الله عليه وسلم لأن ذلك سبب لحبوط العمل، وبعد وفاته صلى الله عليه وسلم لا ترفع الأصوات فوق حديثه إذا قريء ولا عند قبره، عباد الله صلوا وسلموا على خير عباد الله، فقد أمركم الله بذلك، فاللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد، وارض اللهم عن الخلفاء الأربعة أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن سائر الصحابة أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين