كانت عظمتة عامة وشاملة

بقلم محمد الدكروري

الحمد لله الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفى بالله شهيدا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إقرارا به وتوحيدا وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم تسليما مزيدا، أما بعد في شهر ربيع الأول من كل عام يقيم المسلمون حفلات الذكرى لميلاد النبي الحبيب المصطفي محمد صلى الله عليه وسلم، فينصبون السرادقات، ويرفعون الإعلام، ويلقون الخطب، ويذيعون الأحاديث، ويكتبون الفصول، يشرحون للناس فيما يخطبون ويذيعون ويكتبون سيرة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، أو ناحية من نواحي سيرته، ويذكرون تشريعه وأحكامه، وطريقته في التأديب، وإنهاض النفوس وتهذيب الأخلاق، يذكرون أطواره التي مر بها في حياته قبل البعثة وهو طفل رضيع في صحراء بني سعد.

وهو غلام يرعى الغنم بمكة، وهو شاب قوي جلد يتجر ويسافر، ويحضر حرب الفجار وحلف الفضول، ثم يذكرون دعوته وكيف بدأت سرية ثم كانت جهرية، ويذكرون ما ناله من أذى قومه، وإضطهادهم له، وتضييقهم عليه حتى أخرجوه من دياره وأمواله إلى المدينة، فكانت الهجرة، وكانت الحروب، وكان التشريع والأحكام إلى أن نزل قوله تعالى بعد ثلاث وعشرين سنة من مبعثه ” اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا ” ويحتفلون على هذا النحو في يوم أو أيام، ويقولون إنها ذكرى، ولقد كان المسلمون في عصورهم الأولى لا يعرفون إحتفالا خاصا يقام في مثل هذه الأيام بقصد إحياء ذكرى الرسول المصطفي صلى الله عليه وسلم لأنهم كانوا يرون أن عظمته ليست من جنس هذه العظمات التي يألفها الناس في أفذاذهم ورجالهم.

والتي يخلعها الزمن على بعض الناس في بعض نواحي الحياة، ولم تكن عظمته صلى الله عليه وسلم من جنس هذه العظمات المحدودة في نوعها، والمحدودة في أمدها، ولم تكن من جنس هذه العظمات التي يخشى عليها من الضياع والتلاشي في بطون الأزمان والأيام فيحتاج بقاؤها في أذهان الناس إلى مذكر، فكانوا يعرفون أن عظمته صلى الله عليه وسلم ليست من جنس هذه العظمات، وإنما هي العظمة الخالدة التي ينبغي أن تكون دائما قارّة في النفوس، ماثلة في القلوب، ممتزجة بالدماء، مؤاخية للعقيدة، لذلك كانت هذه العظمة المحمدية ظاهرة في قولهم إذا نطقوا، في حركتهم إذا تحركوا، في سكونهم إذا سكنوا، في جميع شئونهم الفردية والإجتماعية والسرية والعلنية، الدنيوية والأخروية، فهي عظمة قد رسمت لهم باطن الحياة وظاهرها، وحدودها ودوائرها.

لم تقف عند ناحية من نواحي الحياة، بل لم تفق عند حدود هذه الحياة الفانية، فشملت جميع نواحي الحياة وإمتدت إلى الحياة الآخرة فكشفت لهم عن حجب غيبها، وصورت لهم ما يكون للمحسن فيها من نعيم، وما يكون للمسيء فيها من شقاء، ولم تكن عظمته صلي الله عليه وسلم عندهم بإنتصار في معركة، ولا برأي في علم، ولا بإختراع في صلاح، ولا بنظرية في أرض ولا سماء، وإنما كانت عظمة عامة وشاملة، اللهم اغفر لآبائنا وأمهاتنا وأجدادنا وجداتنا، اللهم من كان منهم حيا فمتعه بالصحة والعافية على طاعتك، ومن كان منهم ميتا، فجازه اللهم بالحسنات إحسانا وبالسيئات عفوا وغفرانا، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، واخذل الشرك والمشركين، واحفظ إمام المسلمين، وأصلح بطانته، واجمع شمله وإخوانه وأعوانه على ما يرضيك يا رب العالمين.

اللهم خذ بقلوبهم إلى ما يرضيك، اللهم لا تكلهم إلى من حولهم، اللهم كلهم إلى توفيقك وعونك ومنك وكرمك يا رب العالمين، اللهم انصر المجاهدين، اللهم انصر المجاهدين في فلسطين، وفي جميع أراضي المسلمين أجمعين