إياكم والغلو في الدين

بقلم محمد الدكروري

الحمد لله مستوجب الحمد والعبادة، المتابع لأهل طاعته إعانته وإمداده، والصلاة والسلام على نبيه وحبيبه محمد، وعلى آله وأصحابه، ومن اتّبع رشاده أما بعد ذكرت المصادر الإسلامية الكثير عن حكم الإحتفال بالمولد النبوي الشريف، وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال ” إياكم والغلو في الدين، فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين” فيدخل شهر ربيع الأول ويذكر به المسلمون ميلاد الرسول المصطفي عليه السلام فينهضون بحكم العادة إلى الإحتفال بذكراه، فيرفعون الأعلام وينصبون الزينات، ويطلقون المدافع وصواريخ الأفراح، ويأكلون الحلوى ذات الأشكال والألوان، ويستمعون إلى قصة الميلاد، كما استمعوا وقرؤوا كثيرا من الأحاديث والمقالات التي دبجها أصحابها في الإرهاصات التي بشرت بميلاده وبعثته، وفي سمو أخلاقه وشريعته.

ويكون ذلك في أسبوع أو أسبوعين، وتنطوي صفحة ربيع، وبانطوائها تطوى صفحة هذه الذكرى الكلامية، ولا يبقى سوى ما ألف الناس سماعه من المؤذن في كلمات الأذان التي لا يرفع لها رأسا إلا قليل من المسلمين، أما عقيدة التوحيد وما أصابها من زعزعة وتحلل، وما غشيها من صور التقديس لغير الله، أما عقيدة البعث وما صرف الناس عن تمثل رهبته وإستحضار آثاره، أما الأخلاق وقد تغيرت معالمها في النفوس، وإنقلبت إلى الجشع والهلع، والنفاق والكذب، والغش والخديعة، والغدر والخيانة مما أظلم الحياة، وباعد بينها وبين صاحب الذكرى وشرعه، أما العقل وقد تملكته الأوهام والخرافات، وأخذت تقوده إلى مهاوي الشر والظلال، أما المجتمع وقد تفككت عراه وذابت لبناته، وانفصمت روابطه الإنسانية الشريفة، أما الواجبات الدينية والشعائر الخاصة.

التي تميّز الشخصية الإسلامية عما سواها، ويغذي بها المسلم إيمانه، ويراقب بها مولاه، أما كل ذلك، فإننا والأسف يملأ القلب نرى بعد الهوة بينه وبين المسلمين، نرى إنقلابا عاما، وتحللا شاملا، نرى دعوة إلحادية سافرة تعمل مأجورة مجاهرة على غزو قلوب النشء الغض، وصرفها إلى المظاهر الفاجرة التي تسوقها إلينا المدنيات الكاذبة باسم الحرية والحضارة، ونرى أصوات الترويج لهذه الدعوة الفاجرة ترتفع من آفاق معاهد التربية والتعليم الإسلامية، التي أعدت لتهذيب النشء وتقويم أخلاقه، وصوغه لبنات قوية، بها وعليها يشاد صرح المجتمع المثالي، الذي يعرف حقه وواجبه في الحياة، والذي كان في الرسم القرآني خير مجتمع أخرج للناس، فهل فكر المسلمون وقد شغلوا أنفسهم بالصور والأقوال في مدى صلتهم بشريعة هذا النبي الكريم صلي الله عليه وسلم.

التي ختم الله بها رسالاته إلى خلقه، وجعلها عامة خالدة في العالمين؟ هل فكروا في أن مجرد الذكرى الصورية الوقتية لرسول هذه الشريعة، يغني عن العمل الدائم والتوجيه المستمر في سبيل إحيائها في النفوس؟ هل فكروا في أن مجرد الإنتساب وإجراء كلمة الشهادة على اللسان، ينجيهم من خطر المسؤولية التقصيرية فيما أخذ الله به عليهم العهد والميثاق، اللهم تب علينا، اللهم خذ بقلوبنا إلى طاعتك، اللهم أعنا على جهاد أنفسنا لتتجنب جلساء السوء، اللهم أعنا على جهاد أنفسنا لنلحق بركب الأخيار الأبرار، اللهم أعنا على جهاد أنفسنا لنقلع عن اللهو والعزف والغناء، اللهم أعنا على جهاد أنفسنا لنستلذ بكلام الله وذكره، وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم، اللهم أعنا على جهاد أنفسنا لنكون لك مخبتين طائعين مختارين في ظواهر أنفسنا، وفي بواطنها، اللهم حل بيننا وبين معصيتك، اللهم اعصمنا عما يسخطك، وجنبنا ما يغضبك، ووفقنا إلى ما يرضيك.