الحمد لله الرحيم الرحمن، خلق الإنسان، علمه البيان، أحمده سبحانه وأشكره، وأتوب إليه واستغفره، رفع منزلة أهل العلم والإيمان، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، بعثه في الأميين يتلوا عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة،
صلى الله وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليما
مزيدا أما بعد اعلموا أن الماء هو سر الحياة ومنبعها، وهو من أول المخلوقات وجودا،
بل هناك من أهل العلم من قال بأن الماء أول المخلوقات، حتى قيل إنه خلق قبل العرش،
ثم خلق العرش بعد ذلك، وحجتهم في ذلك قوله الله سبحانه ” وهو الذي خلق السماوات والارض في ستة أيام وكان عرشه علي الماء ” كما روى ابن جرير قال،
وقال آخرون بل خلق الله عز وجل الماء قبل العرش، رواه السدي.
عن أبي مالك وعن ابن عباس وابن مسعود وناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، قالوا إن الله كان عرشه على الماء، ولم يخلق شيئا غير ما خلق قبل الماء، وقد قرن الله ذكر خلق الماء بخلق العرش، كما في الآية السابقة، بإعتبارهما أول المخلوقات، وقال ابن حجر رحمه الله أشار بقوله ” وكان عرشة علي الماء ” إلى أن الماء والعرش كانا مبدأ هذا العالم لكونهما خُلقا قبل خلق السماوات والأرض، ولم يكن تحت العرش إذ ذاك إلا الماء، وعن مجاهد قال بدء الخلق العرش والماء والهواء، وخلقت الأرض من الماء، وقال القرطبي في قوله سبحانه ” وهو الذي خلق السماوات والارض في ستة أيام وكان عرشه علي الماء ” بيّن أن خلق العرش والماء قبل خلق الأرض والسماء، ولا يلزم من الماء الذي عليه العرش أنه هو الماء الموجود في الأرض.
فخلق الله لا يحيط به إلا هو سبحانه، كما قاله بعض العلماء، وقال سعيد بن جبير عن ابن عباس إنه سئل عن قوله عز وجل ” وكان عرشة علي الماء ” وقال على أي شيء كان الماء؟ قال على متن الريح، فإن الماء من أعظم مخلوقات الله عز وجل ومن أولها في الوجود، وقد جعله الله أساس الحياة وعنصرها، الذي تقوم عليه وتبدأ منه، وقد ورد ذكر كلمتي “ماء، والماء” في القرآن الكريم “تسع وخمسون” مرة، وورد ذكر الماء في كلمات أخرى “ماءك، ماءها، ماؤكم، ماؤها” أربع مرات، وبذلك يكون الماء ورد ذكره في القرآن الكريم ثلاث وستون مرة، وبقراءة الآيات القرآنية، التي ورد ذكر الماء فيها يمكن إدراجها تحت أمور منها نزول ماء السماء بقدر، حيث قال الله تعالى ” وأنزلنا من السماء ماء بقدر ” أي بحكمة وتدبير لا أكثر فيغرق ويفسد، ولا أقل فيكون الجدب والمحل.
ولا في غير أوانه فيذهب بددا بلا فائدة، ويقول تعالي ” فأسكناه في الأرض ” وما أشبهه وهو مستكن في الأرض بماء النطفة، وهو مستقر في الرحم، ويقول تعالي ” في قرار مكين ” أي كلاهما مستقر هنالك بتدبير الله لتنشأ عنه الحياة، وهذا من تنسيق المشاهد على طريقة القرآن في التصوير، ويقول تعالي ” وإنا علي ذهاب به لقادرون ” فيغور في طبقات الأرض البعيدة بكسر أو شق في الطبقات الصخرية، التي إستقر عليها، فحفظته، أو بغير هذا من الأسباب، فالذي أمسكه بقدرته قادر على تبديده وإضاعته، إنما هو فضل الله على الناس ونعمته، ويقول تعالي ” أأنتم أنزلتموه من المزن أم نحن المنزلون؟” فاللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا “ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار” عباد الله اذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم.