كم من الأسر تفككت بكلمة

بقلم محمد الدكروري

الحمد لله مستحق الحمد وأهله، يجزي الصادقين بصدقهم من رحمته وفضله، ويجازي الكاذبين فيعاقبهم إن شاء بحكمته وعدله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له في حكمه، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أفضل خلقه، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه أما بعد ذكرت المصادر الإسلامية كما جاء في كتب الفقه الإسلامي الكثير عن آفة الكذب وأضرارها علي الفرد وعلي المجتمع، وقال عبد الله بن عباس رضي الله عنهما “لو قال لي فرعون بارك الله فيك لقلت وفيك ” وقال مخلد بن الحسين رحمه الله ” إن أبا السوار العدوي أقبل عليه رجل بالأذى فسكت،

حتى إذا بلغ منزله أو دخل قال حسبك إن شئت ” وقال الأصمعي رحمه الله ” بلغني أن رجلا قال لآخر والله لئن قلت لي واحدة لتسمعن عشرا، قال لكنك لو قلت عشرا لم تسمع واحدة”

وكان شريح رحمه الله إذا مات لأهله سنورأي هرة أمر بها فألقيت في جوف داره، ولم يكن لها مثغب شارع إلا في جوف داره إتقاء لأذى المسلم، وقال ابن القيم رحمه الله ” ومن العجب أن الإنسان يهون عليه التحفظ والإحتراز من أكل الحرام والظلم والزنا والسرقة وشرب الخمر،

ومن النظر المحرم وغير ذلك ويصعب عليه التحفظ من حركة لسانه، حتى يرى الرجل يشار إليه بالدين والزهد والعبادة، وهو يتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقي لها بالا ينزل منها أبعد ما بين المشرق والمغرب، وكم ترى من رجل متورع عن الفواحش والظلم ولسانه يفري في أعراض الأحياء والأموات لا يبالي ما يقول؟ وقال إبراهيم التيمي رحمه الله “إن كان الرجل من الحي ليجيء فيسب الحارث بن سويد فيسكت، فإذا سكت قام فنفض رداءه ودخل؟” وقال جرير بن حازم رحمه الله.

” سمعت محمد بن سيرين وقال لي رأيت ذلك الرجل الاسود ثم قال أستغفر الله ما أرانا إلا قد إغتبناه ” وقال شيخ الإسلام ابن تيميه رحمه الله “إن بعض الناس لا تراه إلا منتقدا داء، ينسى حسنات الطوائف والأجناس ويذكر مثالبهم، فهو مثل الذباب يترك مواضع البرد والسلامة، ويقع على الجرح والأذى، وهذا من رداءة النفوس وفساد المزاج ” فيا عباد الله أين نحن من هذا التوجيه التربوي الرباني؟ ولماذا نرى أن الكثير ممن أخطأوا في حق ربهم وحق أنفسهم وحقوق غيرهم، وأغواهم الشيطان في غفلة شديدة عن خطورة هذا الأمر حينما لا يتورعون عن نشر وتعميم كل ما يقع تحت أيديهم من الأقوال والرسائل والأخبار والأسرار، وربما زاد الأمر سوءا فنراهم هدانا الله وإياهم ينقلون أو يتناقلون الصور الشخصية لمن يعرفون ومن لا يعرفون، أو تلك المقاطع المصوّرة.
التي قد تكون مما لا يحق لهم مشاهدتها، أو الإطلاع عليها، بل إنهم ربما سارعوا في نشرها وتداولها في مجاميعهم الإلكترونية فتكون والعياذ بالله مما كسبته أيديهم، وربما أتبعوها بالتعليقات السيئة والعبارات المشينة، والأدهى والأمر أن كثيرا من تلك المقاطع غالبا ما تكون مركّبة وغير حقيقية فتسيء في مضمونها لفئة من الناس، أو تسخر منهم، أو تستهزئ بهم، وقد تنال من أعراضهم، أو تجرح كرامتهم، أو تسبب لهم الحزن أو تلحقهم العار أو نحو ذلك مما لا يليق بالإنسان المسلم الذي يخاف الله ويتقيه، فيا عباد الله لا يخفى على الجميع ما قد يترتب على كثير من الرسائل التي تحتويها أجهزتنا من المخالفات والمشكلات والسلبيات، فكم من بيت تقوضت أركانه بسبب رسالة من جهاز، وكم من عائلة تقطعت أواصر القرابة بين أفرادها بسبب مقطع مصور.
وكم من الأسر تفككت بكلمة غير مقصودة، وكم من الصداقات فسدت بسبب تعليق ساخر، وكم من العداوات قامت بسبب نكتة ساذجة، وكم من مظلوم في ماله أو بدنه أو عرضه بسبب التسرع في نقل الأخبار وإشاعتها، دون تحقق أو تثبت.