الحمد لله وكفى، وما قلّ وكفى خير مما كثر وألهى، والصلاة والسلام على النبي المصطفى خاتم الأنبياء والمرسلين وشفيعنا يوم الدين، وعلى آله وصحبه وسلم، ثم أما بعد اعلم أخي الكريم أن أقل الطرق خطرا هو طريقك إلى بيتك وأكثر الأيام بركة يوم تعمل صالحا وأشأم زمن تسيء لأحد، وإن سبك بشر فقد سبوا ربهم تعالى، فأوجدهم من العدو فشكوا في وجوده، وأطعمهم من جوع فشكروا غيره وآمنهم من خوف فحاربوه، وأنه ينبغي ألا تحمل الكرة الأرضية على رأسك ولا تظن أن الناس يهمهم أمرنا إن زكاما يصيب أحدكم ينسيهم موتي وموتك، وأن السرور كفاية ووطن وسلامة وسكن وأمن من الفتن ونجاة من المحن وشكر على المنن وعبادة طيلة الزمن فكن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل، وصل صلاة المودع.
ولا تكلم بكلام تعتذر منه، وأجمع اليأس عما في أيدي الناس، ويا من يدّب في قلبه كبر أو غرور هل تعلم من أي شيء خلقت؟ فإنك خلقت من نطفة حقيرة وكنت أول أمرك بين أحشاء أمك وخرجت من مجرى بولها، وإن أقبح حالات التكبر هو أن يتكبر الانسان من غير سبب يدعوه للتكبر، فهذا من أشر الناس منزلة عند الله يوم القيامة، فقال النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم “ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم ولا ينظر إليهم ولهم عذاب أليم شيخ زان، وملك كذاب، وعائل مستكبر” أي فقير مستكبر، فعلي ما يتكبر الناس والجميع من تراب؟ وعلي ما يتجبر المتجبرون والموت مصرعهم؟ وبماذا يتعالى بعض الناس على بعض والقبور بعد هذه الدار منازلهم؟ كيف يتكبر الإنسان وهو مخلوق ضعيف فقير ناقص من كل وجه؟
فأوله نطفة مذرة، وآخره جيفة قذرة، وبين جنبيه يحمل العذرة، ومن تكبر لنسبه وحسبه، فهذا من جهله وقلة عقله حيث أنه تعزز وإفتخر بكمال غيره، فالمتكبر بالنسب إن كان خسيسا في صفاته، فكيف يجير خسته بكمال غيره؟ وبأمر ليس من عمله وكسبه، ألا ما أقل حظ المتكبرين، وما أعظم خسرانهم المبين، فقد خسروا بتكبرهم الإيمان والأعمال الصالحة، وخسروا ما أعده الله تعالي للمتواضعين من الثواب والنعيم، وخسروا محبة الناس أجمعين، فالناس جبلوا على محبة المتواضعين ومقت المتكبرين، ومن أظهر من الناس تعظيمهم ومحبتهم، فذلك نفاق وخداع لمصالح معينة يذهب بإنقضائها، واعلموا أن الكبر له علامات فبها يعرف أحدنا أنه متكبر أو لا، فالكل يدعي أنه بريء من الكبر والغرور.
وأنه من المتواضعين غاية التواضع فليسمع كل واحد منا هذه العلامات حتى يجتنبها وهو أن ترى لك فضلا على من هو دونك من المسلمين، وقال بعض السلف كفى بك من الكبر أن ترى لك فضلا على من هو دونك، وقال بعض السلف من رأى أنه خير من غيره فقد إستكبر، وذلك أن إبليس اللعين إنما منعه من السجود لآدم عليه السلام، شعوره بأنه أفضل وأرفع منه، فإحذر أن تظن أنك خير من أحد من المسلمين وأنك أفضل منه وأعلم وأتقى منه ولو لم يكن ظاهره الصلاح والتقى فالله تعالى يقول ” فلا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقي ” وعليك برد الحق إذا جاء من صغير أو حقير وعدم قبوله لازدراء أو بغض قائله، وصل اللهم وسلم وبارك على حبيبنا ونبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين