محمد الدكروري يكتب..الحياء هو رأس كل خير

بقلم محمـــد الدكـــروري

الحمد لله حمدا كثيرا كما أمر، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إرغاما لمن جحد وكفر، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله، سيد الخلائق والبشر، الشفيع المشفع في المحشر، صلى الله عليه وعلى أصحابه ما اتصلت عين بنظر، وسمعت أذن بخبر، ثم أما بعد إن بعض الناس يظن أن الحياء أمر فطري لا يمكن إكتسابه، ويقول بأن الله تعالي خلقني هكذا، وهذا فهم مغلوط، فقد قال الإمام أبو حاتم “الواجب على العاقل أن يعود نفسه لزوم الحياء من الناس” وقال الصنعاني رحمه الله “والحياء وإن كان قد يكون غريزة فهو في إستعماله على وفق الشرع يحتاج إلى اكتساب وعلم ونية فلذلك كان من الإيمان” وإن من الوسائل المعينة على إكتساب الحياء والتحلي به هو الدعاء وهو سلاح المؤمن فيلجأ إلى ربه، ليرزقه الحياء.

وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول في دعاء الاستفتاح ” واهدني لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت، وإصرف عني سيئها لا يصرف عني سيئها إلا أنت ” رواه مسلم، وكان يقول ” اللهم إني أعوذ بك من منكرات الأخلاق والأعمال والأهواء ” رواه الترمذي، ولا ريب أن الحياء من الأخلاق الحسنة، وكما أن من الوسائل المعينة على إكتساب الحياء والتحلي به هو مراقبة الله تعالى، ومن ثم فيقوى الإيمان في القلب بزيادة الطاعات وإجتناب المنكرات، وقال ابن القيم “إن العبد متى علم بنظره إليه ومقامه عليه وأنه بمرأى منه ومسمع وكان حييا إستحيى من ربه أن يتعرض لمساخطه” وكما أن من الوسائل المعينة على إكتساب الحياء والتحلي به هو المحاسبة وذلك بنقد النفس إذا إرتكبت ما يخلّ بالحياء، وحملها على ألا تعود إليه مرة أخرى.

مع أخذها بمبدأ الثواب، فإذا أحسنت أراحها، وأرسلها على سجيتها بعض الوقت في المباح، وإذا أساءت وقصّرت أخذها بالحزم والجد، وحرمها من بعض ما تريد فإن ذلك يؤدي إلى تعديل سلوك المرء نحو الأفضل، وكما أن من الوسائل المعينة على إكتساب الحياء والتحلي به هو التفكر بمعرفة الله عز وجل وذلك من خلال أسمائه وصفاته التي تستوجب مراقبته، كالرقيب والشهيد والسميع والبصير، فإن أمعن وأكثر من ذلك نما في قلبه تعظيم الله عز وجل، وقال حاتم الأصم “تعاهد نفسك في ثلاث مواضع إذا عملت فاذكر نظر الله تعالى عليك وإذا تكلمت فانظر سمع الله منك وإذا سكت فانظر علم الله فيك” وكما أن من الوسائل المعينة على إكتساب الحياء والتحلي به هو شكر النعم، فإن نعم الله تعالى على عباده تترى، وأفضاله على خلقه لا تحص ، والله تعالي يقول.

” وإذ تأذن ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد ” وبالتالي فإن الإنسان إذا تأمل في نعم الله عليه وتقلبه فيها أدى ذلك إلى حياءه من الله عز وجل وقال ابن حجر رحمه الله وقد يتولد الحياء من الله تعالى من التقلب في نعمه فيستحي العاقل أن يستعين بها على معصيته، وكما أن من الوسائل المعينة على إكتساب الحياء والتحلي به هو مخالطة الصالحين، والتخلق بأخلاقهم، فقال مجاهد إن المسلم لو لم يصب من أخيه إلا أن حياءه منه يمنعه من المعاصي لكفاه” فالصداقة المتينة لا تحلّ في نفس إلا هذبت أخلاقها الذميمة، وكما أن من الوسائل المعينة على إكتساب الحياء والتحلي به هو العفة فهي مما يحمل على اجتناب الرذائل من القول والفعل، من الفحش، والبخل، والكذب، والغيبة، والنميمة.

وتحمل على الحياء وهو رأس كل خير، وقال الغزالي رحمه الله ” وأما خلق العفة فيصدر منه السخاء والحياء والصبر والمسامحة والقناعة والورع واللطافة والمساعدة والظرف وقلة الطمع”