الهجرة ودقة التخطيط فيها

بقلم  محمـــد الدكـــروري

الحمد لله وفَّق من شاء لمكارم الأخلاق وهداهم لما فيه فلاحهم يوم التلاق أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك الخلاّق، وأشهد أن محمدا عبد الله وسوله أفضل البشر على الإطلاق صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلي يوم الدين أما بعد إن من تأمل الهجرة ورأى دقة التخطيط فيها، ودقة الأخذ بالأسباب من إبتدائها إلى إنتهائها، يدرك أن التخطيط جزء من السنة النبوية بل هو جزء من التكليف الإلهي في كل ما طولب به المسلم، ولابد أن نعلم أن هذه العبقرية في التخطيط، ما كان بها وحدها يكون النجاح، لولا التوفيق الإلهي، والإمداد الرباني، فالهجرة جرى فيها القدر الإلهي من خلال الأخذ بالأسباب البشرية، إذن كيف تم تخطيط النبي صلى الله عليه وسلم للهجرة المباركة؟

فلقد وضع النبي صلى الله عليه وسلم الخطوات الأساسية للخطة، فكانت الخطوة الأولى هي وضوح الرؤية لدي النبي صلى الله عليه وسلم منذ أول يوم في الرسالة أنه مبعوث للعالمين، وأن التحديات له من أول يوم وأنه سيتحول من بلد إلى بلد وسيكون البلد الجديد مأوي جديد للدعوة وذلك من خلال حديثه مع ورقة ابن نوفل لما رجع صلى الله عليه وسلم من غار حراء وبعد حوار طويل تقول له زوجته السيدة خديجة بعد أن أخذته إلى ابن عمها ورقة بن نوفل يا ابن عم، اسمع من ابن أخيك، فقال له ورقة يا ابن أخي ماذا ترى؟ فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم خبر ما رأى، فقال ورقة “هذا هو الناموس الأكبر نزّله الله على موسى، ليتني فيها جذعا أنصرك حين يخرجك قومك، ولئن أدركني يومك لأنصرنك نصرا مؤزرا”

وإدراكه أن حالة الإستضعاف التي هم فيها لن تدوم فتهيأ صلى الله عليه وسلم لتلك المرحلة فربي أصحابه تربية صلبة قوية تربية رجل الدولة فكرا وعقلا وممارسة، فكان يبعث فيهم الأمل والنظرة المستقبلية يتضح من حديثه مع خباب رضي الله عنه شكونا إلى رسول الله وهو متوسد بردة له في الكعبة، فقلنا له ألا تستنصر لنا؟ ألا تدع الله لنا؟ قال “كان الرجل فيمن قبلكم يحفر له في الأرض فيجعل فيه، فيجاء بالمنشار فيوضع على رأسه، فيشق باثنتين، وما يصده ذلك عن دينه، ويمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه من عظم أو عصب، وما يصده ذلك عن دينه، والله ليتمن الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضر موت لا يخاف إلا الله والذئب على غنمه ولكنكم تستعجلون” ولقد كان من أسباب الهجرة النبوية المباركة هو حماية الفئة التي آمنت بدين الله عز وجل.

وبرسوله محمد صلى الله عليه وسلم من بطش المشركين الكافرين حتى تتمكن من إقامة هذا الدين، ونشر دين الله تعالي وجعل كلمة الله هي العليا، وكلمة المشركين الكافرين السفلى، وتأسيس الدولة الإسلامية التي تطبق شرع الله تعالي في كل نواحي الحياة من خلال المجتمع الإسلامي المتآخي المترابط المتحاب، فالدولة إحدى ضرورات إقامة الدين في الأرض فهي حارسة له حامية لمبادئه كما يقول الإمام أبو حامد الغزإلى “الدين والسلطان توأمان الدين أصل والسلطان حارس وما لا أصل له فمهدوم وملا حارس له فضائع” ولقد قرر علماء السياسة الشرعية أن أول ما تحتاج إليه الدعوة الإسلامية أن تقوم دار الإسلام أو دولة الإسلام التي تتبنى رسالة الإسلام عقيدة وشريعة عبادة وأخلاقا.

وهذه الدولة ضرورة إسلامية وهي أيضا ضرورة إنسانية دولة توحد الأمة تحت راية واحدة وتنطلق بالإسلام إلى العالمية، وهذه الدولة جزء من نظام الإسلام، وإذا كانت الأفكار والمعتقدات والمبادئ تحتاج إلى كيان قوي لحمايتها فهذا الكيان هو الدولة التي سعى إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم من أول يوم