بقلم محمـــد الدكـــروري
الحمد لله خلق الخلق فأتقن وأحكم، وفضّل بني آدم على كثير ممن خلق وكرّم، أحمده سبحانه حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، يليق بجلاله الأعظم، وأشكره وأثني عليه على ما تفضل وأنعم، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الأعز الأكرم، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبد الله ورسوله المبعوث بالشرع المطهر والدين الأقوم، صلى الله وبارك عليه وعلى آله وصحبه وسلم، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين أما بعد إن هناك قصة جميلة فيها عبرة وعظة والغرض المنشود وهي من الإسرائيليات التي نستأنس ونستشهد بها وقد ذكرها الإمام ابن قدامة في كتابه التوابين فقال روي أنه لحق بني إسرائيل قحط على عهد نبي الله موسى عليه السلام فإجتمع الناس إليه فقالوا يا كليم الله ادعو لنا ربك أن يسقينا الغيث فقام معهم وخرجوا إلى الصحراء.
وهم سبعون ألفا أو يزيدون فقال موسى عليه السلام إلهي اسقنا غيثك وانشر علينا رحمتك وارحمنا بالأطفال الرضع والبهائم الرتع والمشايخ الركع فما زادت السماء إلا تقشعا والشمس إلا حرارة فأوحى الله إليه يا موسى كيف وفيكم عبد يبارزني منذ أربعين سنة بالمعاصي؟ فنادي في الناس حتى يخرج من بين أظهركم فبه منعتكم فقال موسى إلهي وسيدي أنا عبد ضعيف وصوتي ضعيف فأين يبلغ وهم سبعون ألفاً أو يزيدون؟ فأوحى الله إليه منك النداء ومني البلاغ فقام مناديا وقال يا أيها العبد العاصي الذي يبارز الله منذ أربعين سنة، اخرج من بين أظهرنا فبك منعنا المطر فقام العبد العاصي فنظر ذات اليمين وذات الشمال فلم يري أحدا خرج فعلم أنه المطلوب فقال في نفسه إن أنا خرجت من بين هذا الخلق إفتضحت على رؤوس بني إسرائيل.
وإن قعدت معهم منعوا لأجلي فأدخل رأسه في ثيابه نادما على فعاله وقال إلهي وسيدي عصيتك أربعين سنة وأمهلتني وقد أتيتك طائعا فاقبلني فلم يستتم الكلام حتى إرتفعت سحابة بيضاء فأمطرت كأفواه القرب فقال موسى عليه السلام إلهي وسيدي بماذا سقيتنا وما خرج من بين أظهرنا أحد؟ فقال يا موسى سقيتكم بالذي به منعتكم، فقال موسى إلهي أرني هذا العبد الطائع فقال يا موسى إني لم أفضحه وهو يعصيني، أأفضحه وهو يطيعني؟ فما من شر في العالم ولا فساد ولا نقص ديني أو دنيوي إلا وسببه المعاصي والمخالفات، كما أنه ما من خيرٍ في العالم ولا نعمة دينية أو دنيوية إلا وسببها طاعة الله تعالى وإقامة دينه، فالتوبة التوبة، تفلحوا وتنجحوا وتستقيم أحوالكم وتصلحوا، وارجعوا إلى ربكم، بالتجرد والتخلص من حقوق الله تعالي التي له قبلكم.
واخرجوا من جميع المظالم التي عند بعضكم لبعض وأكثروا من الإستغفار بقلب يقظان حاضر، معترف بالذنوب، مقر بالتقصير والعيوب وأديموا التضرع لرب الأرباب يدرّ عليكم الرزق من السحاب، فقال الإمام القرطبي رحمه الله وقد إستسقى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، فخرج إلى المصلى متواضعا متذللا متخشعا مترسلا متضرعا، وحسبك به فكيف بنا ولا توبة معنا إلا العناد ومخالفة رب العباد، فكيف نسقى ؟ فالإقلاع عن الذنوب والمعاصي والتوبة والإنابة إلى الله تعالي مع الاستغفار واللجوء إلى الله رب العالمين بالدعاء في خشوع وتضرع وإنكسار وإضطرار من أسباب نزول الغيث من السماء والإمداد بالأموال والبنين وجريان الأنهار والبركة في ذلك، فاللهم صلي وسلم وبارك علي سيدنا محمد وعلي آل محمد الطيبين المخلصين الطاهرين وأصحابه الغر الميامين رضي الله عنهم بإحسان إلي يوم الدين