إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا،
من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، ثم أما بعد، ونحن نقول إننا لا نشتكي من قضية الذين يشددون على أنفسهم في العبادات بقدر ما نشتكي من المفرطين على أنفسهم من الذين قصروا في العبادات، وفي هذا الزمن الواقع الذي نعيش فيه نحن لا نشتكي من الذين يشددون على أنفسهم في العبادات بقدر ما نشتكي من قلة العبادات فينا ومن تكاسلنا عن العبادات، وتراخينا في القيام بها، وتقاعسنا عن أدائها، ورغبتنا عنها وعن مواسمها، وكأننا مستغنون عن الأجر، هذا الذي نشتكي منه أكثر، ومن النقاط المهمه جدا.
وهو أننا لا يمكن أن ننتصر على عدو ولا أن نواجه بدون عبادة، فمن النقاط هو إستدراك ما فات منه، فعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال “من نام عن حزبه من الليل أو عن شيء منه، فقرأه فيما بين صلاة الفجر وصلاة الظهر كتب له كأنما قرأه من الليل” وعن أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها قالت “كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى صلاة داوم عليها، وكان إذا فاته القيام من الليل، بسبب مثلا غلبته عيناه بنوم أو وجع صلى ثنتي عشرة ركعة من النهار” يعني كان يشفع وتره، أي يزيد ركعة، وفي رواية ” كان إذا نام من الليل أو مرض صلى من النهار ثنتي عشرة ركعة” ومن الأدلة كذلك أن أم سلمة والقصة في صحيح البخاري.
جاءها ضيوف من الأنصار، فدخل النبي عليه الصلاة والسلام وصلى ركعتين، وهي عندها ضيوف، وكانت لا تريد تركهم، فقالت للجارية اذهبي إليه فقومي بجانبه فقولي له تقول لك أم سلمة إنك نهيت عن الركعتين بعد العصر، وأراك تصليهما، فإن أشار إليك فتأخري عنه، فجاءت الجارية ووقفت بجانب النبي صلى الله عليه وسلم وهو يصلي فقالت له هذا الكلام، فأشار إليها فتأخرت الجارية وذهبت، وبعدما فرغ من صلاته جاء إلى أم سلمة فقال “يا ابنة أبي أمية سألت عن الركعتين بعد العصر وإنه أتاني ناس من عبد القيس أي بعد الظهر فشغلوني عن الركعتين اللتين بعد الظهر، وهي السنة الراتبة بعد الظهر فهما هاتان، هل تركها النبي صلى الله عليه وسلم؟ لا، وإنما صلاها.
وفي هذا الحديث فوائد منها هو جواز تكليم المصلي لحاجة وأن الذي يكلم المصلي يقوم بجانبه، لا يتقدم ولا يتأخر، وكذلك جواز الإشارة في الصلاة، وفوائد كثيرة أخرى ذكرها الحافظ رحمه الله في الفتح، والشاهد علي ذلك أنه قال لها ” يا ابنة أبي أمية سألت عن الركعتين بعد العصر وإنه أتاني ناس من عبد القيس فشغلوني عن الركعتين اللتين بعد الظهر فهما هاتان” وفي رواية “وكان إذا لم يصلي أربعا قبل الظهر صلاهن بعده” رواه الترمذي وهو حديث صحيح، وهذه الأحاديث تدل على مشروعية قضاء السنن الرواتب، وتدل على مشروعية قضاء صلاة الليل، فقد ذكر ابن القيم رحمه الله في صومه صلى الله عليه وسلم شعبان أكثر من غيره، لماذا كان عليه الصلاة والسلام يصوم أكثر شعبان؟
حتى قالت بل كله، وذكر ثلاثة أسباب في تعليقه على سنن أبي داود، وابن القيم له تعليق نفيس جدا على سنن أبي داود مطبوع مع شرح الخطابي، يقول ليس فقه ابن القيم في زاد المعاد فقط، بل في هذا الكتاب فقه عظيم.