الحمد لله شرح صدور المؤمنين فانقادوا لطاعته، وحبب إليهم الإيمان وزينه في قلوبهم، فلم يجدوا حرجا في الإحتكام إلى شريعته، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وصحبه، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، ثم أما بعد لقد حذرنا الإسلام من خيانة الأمانة، وتختلف عقوبة خيانة الأمانة في الإسلام حسب نوعها، فإن عقوبة خيانة الأمانة المتعلقة بحقوق الله تعالى قد تعددت آراء العلماء فيها حيث تختلف عقوبة تارك الصلاة عن تارك الزكاة أو غيرها، حيث إن ترك الصلاة خيانة لله تعالى، وقد ذهب بعض العلماء إلى أن تارك الصلاة عمدا فاسق وليس كافر، وذهب آخرون إلى أنه يعزر ولا يقتل، وأما عند الله تعالى فعقوبة تارك الصلاة كبيرة، وعلى من خان أمانة الصلاة أن يتوب إلى الله تعالى.
ويؤدي الصلاة كما فرضها تعالى حتى يتوب الله عليه، وكما أن الزكاة من الفرائض، ويعد مانعها فاسق وآثم يستحق عذاب الله يوم القيامة، وفي الدنيا تؤخذ الزكاة من مانعيها بالقوة، ويتولى ذلك الحاكم، وهو وحده المسؤول عن تطبيق الحدود والأحكام والعقوبات الشرعية، ولقد جعل الله تعالى للعاصي الذي خان أمانة الله عقوبة في الدنيا قبل الآخرة، وهي حرمان الرزق ونقصانه والمعيشة الضنكا التي لا يجد فيها راحة البال ولا السعادة، ويقسو قلبه ويبقى الشيطان يزيّن له، فقد يبغضه المؤمنون ويتجاهلونه، ويعيش في غربة لأنه أغضب الله تعالى وعصاه وخالف أوامره، كما أن الله يحرمه من الحلاوة والسعادة التي يجدها المؤمن في طاعة الله تعالى، ويوم القيامة سوف يلقى عذابا لا يعلمه إلا الله إذا لم يتب ويصن الأمانة التي أوكله الله بها.
وكما أنه تختلف عقوبة الأمانة المتعلقة بحقوق العباد حسب نوع الخيانة، فالخيانات المعنوية لم يفرض الله تعالى عليها عقوبات في الدنيا مثل خيانة المجلس، أو خيانة تربية الأولاد، إلا إذا نجمَ عنها مشاكل تستدعي العقوبات، ولكن يوم القيامة الله أعلم بما أعده لمن خان الأمانة من عقاب، أما خيانة الأمانة المادية فإن عقوبتها شديدة في الآخرة، إذ قال الله تعالى ” إن الذين يأكلون أموال اليتامي ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا ” وكما أنه لا تفرض عقوبة في الإسلام على الخيانات الزوجية جميعها، ومعظمها ذنوب يجب على المسلم أن يتوب منها قبل فوات الأوان، أما خيانة الأمانة الزوجية الجسدية فإنها تؤدي إلى هدم الأسرة وتفكيك العائلة في غالب الأحيان، ومن الصعب أن يقبل أحد الزوجين خيانة الآخر له جسديا من خلال إقامة علاقة مع شخص غريب وتفضيله عليه.
وقد جعل الله لها عقوبة كبيرة، حيث إن حد الزاني المحصن في الإسلام الرجم حتى الموت، وعلى هذا اتفق معظم الفقهاء من أهل العلم، وهذا ما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويقوم الحاكم العادل بتطبيق حد الزنا، فأن عقوبة خيانة الأمانة شديدة سواء في الدنيا أو الآخرة، وهي تختلف من عمل إلى آخر، ومنها ما جُعل فيها الحدّ في الدنيا، ومنها ما له عقوبة شديدة يوم القيامة، لكن هل خيانة الأمانة من الكبائر؟ وهو أنه ذهب كثير من أهل العلم إلى أن خيانة الأمانة من الكبائر في الإسلام مثل الإمام الذهبي والإمام ابن حجر الهيثمي، وغيرهما، فقد قال تعالى في كتابه العزيز ” يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون ” وأشار ابن عباس رضي الله عنهما إلى أن الأمانات هي الأعمال التي ائتمن الله تعالى عليه عباده وهي الفرائض،
ورسول الله صلى الله عليه وسلم ينفي صفة الإيمان عمن يخون الأمانة، حيث يقول في الحديث ” لا إيمان لمن لا أمانة له، ولا صلاة لمن لا طهور له” وغير ذلك من الأحاديث والتي استند إليها العلماء في أن خيانة الأمانة من الكبائر والله أعلم، وقد اتفق الكثير من أهل العلم على أن خيانة الأمانة من الكبائر والذنوب العظيمة، والخيانة في الإسلام من الأمراض التي بدأت تنخر في عظام مجتمعاتنا المسلمة، وهي صفة ذميمة في الإسلام الذي دعا إلى مكارم الأخلاق، فالخيانة هي نقض العهد وخيانة الأمانة، كمن وقع عقدا ثم نقضه أو استؤمن على شيء فسرقه أو ضيعه، والله تعالى لا يحب الخائنين، حيث قال تعالى ” إن الله لا يحب الخائنين