الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ادخر لعباده أجزل الثواب لقاء عملهم، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبد الله ورسوله وصفيه من خلقه وحبيبه طب القلوب ودوائها وعافية الأبدان وشفائها ونور الأبصار وضيائها محمد صلي الله عليه وسلم، فقال ” وما ينطق عن الهوى ” من أمسى كالا من عمل يده أمسى مغفور له” ويقول صلي الله عليه وسلم ” ما أكل أحد طعاما خيرا من أن يأكل من عمل يده وإن نبي الله داود كان يأكل من عمل يده ” رواه البخاري، فاللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم أما بعد إن من الآثار الخطيرة لموضوع التكفير توجب على من عنده مسكة عقل، ممن يتصدى للحكم بتكفير خلق الله تعالي أن يتريّث مرات ومرات قبل أن يطلق تلك الأحكام، قال العلّامة أبو حامد الغزالي رحمه الله ” والذي ينبغي أن يميل المحصّل إليه.
هو الإحتراز من التكفير ما وجد إليه سبيلا، فإن إستباحة الدماء والأموال من المصلين إلى القبلة، المصرحين بقول “لا إله إلا الله محمد رسول الله” خطأ، والخطأ في ترك ألف كافر في الحياة أهون من الخطأ في سفك محجمة من دم مسلم” ولقد آل خوض هؤلاء الأغمار في قضية التكفير من بين ما آل إليه، إلى مفسدة عظيمة تدل بما لا يدع مجالا للريب على إنحراف منهجهم وسفه عقولهم، ألا وهي مناقضة مقصود الشارع من أن يكون الدين رحمة مهداة للعالمين، ونعمة مسداة للبشر أجمعين، حيث قال تعالي ” وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين” فصار الدين بسببهم معنتا لأهله، ومنفّرا لغيرهم، وإنقلب التدين من نعمة إلى نقمة، ومن عطية إلى بلية، والله المستعان، وأقصد بذلك أنهم رغم تعلقهم بالوحي كتابا وسنة، والذي دل عليه قوله صلي الله عليه وسلم “يقولون من خير قول البرية” غير أنهم لا يتجاوزون ظواهرها كما أفاده الإمام النووي.
حيث قال ” معناه في ظاهر الأمر كقولهم لا حكم إلا لله، ونظائره من دعائهم إلى كتاب الله تعالى” فهم لضحالة أفهامهم وقلة علومهم، بل وظهور جهلهم، يحملونها على غير محاملها، ويتعسفون في فهمها، مخالفين بذلك قواعد أهل العلم بالدين، ومنحرفين عن مسالك المهتدين، ومما يزيد هذا الأمر بيانا ما إشتمل عليه قوله “يقرأون القرآن لا يجاوز حناجرهم” أي لا يجاوزها لمحل الفهم والفقه والإنتفاع الذي هو القلب، فليس لهم حظ منها سوى التلاوة بالفم وتقطيع الحروف بالحنجرة والحلق، وإن الناظر في مسالكهم عند الخوض في مسائل الكفر، وإن زعموا أنهم يستمدونها من الأدلة الشرعية، يجدها مخالفة لمسالك العلماء الراسخين، والذين يعتبرون الكفر من الأسماء الدينية الشرعية التي يعتبر الحق فيها لله ولرسوله صلي الله عليه وسلم، لهذا يوجبون التثبت فيها غاية التثبت، ولا يجيزون الخوض فيها إلا بمقتضى العلم المحيط بكل قواعدها وضوابطها.
والتي منها على سبيل المثال أن يكون دليل الحكم بالكفر واضحا مثل وضوح الشمس في رابعة النهار، كما نص عليه غير واحد، قال العلامة الشوكاني فـي كتابه السيل الجرار “اعلم أن الحكم على الرجل المسلم بخروجه من دين الإسلام ودخوله في الكفر، لا ينبغي لمسلم يؤمن بالله واليوم الآخر أن يقدم عليه إلا ببرهان أوضح من شمس النهار” إذ إن من ثبت إسلامه بيقين لا يجوز إخراجه منه إلا بيقين مثله، مع ما في الخطأ في الحكم برمي المسلم بالكفر من تعريض فاعل ذلك إلى أن يرجع إليه وصف الكفر، وضرورة التحقق بالمعرفة المحررة بالقواعد الدقيقة للحكم على الأشخاص والأعيان، والتي بمقتضاها يتم التفريق بين النوع والمعين، إذ إن قيام الدليل الشرعي على صحة إطلاق لفظ الكفر من حيث العموم لا يلزم منه جواز إطلاقه على المعين حتى تتوافر شروط ذلك من علمه بالمخالفة الموجبة لكفره، وقصدها وغيرها من الشروط،
وأن تنتفي موانعه من تأويل أو جهل أو إكراه أو انتفاء قصد، فما كل من وقع فـي الكفر يكون كافرا، مع ضرورة إستحضار أن العلم الظاهر المتواتر بالشيء والذي يشترط للحكم على جاحد المعلوم بالضرورة من دين الإسلام بالكفر، هو من الأمور النسبية الإضافية، لأنه يختلف بإختلاف الأزمنة والأمكنة